ج ٢٦، ص : ٢٥
(وَلِكُلٍّ دَرَجاتٌ مِمَّا عَمِلُوا وَلِيُوَفِّيَهُمْ أَعْمالَهُمْ وَهُمْ لا يُظْلَمُونَ) أي ولكل من الأبرار والفجار من الإنس والجن مراتب عند اللّه يوم القيامة بحسب أعمالهم من خير أو شر فى الدنيا، وليوفيهم أجور أعمالهم، المحسن منهم بإحسانه، والمسيء منهم بإساءته، وهم لا يظلمون شيئا، فلا يعاقب المسيء إلا بعقوبة ذنبه، ولا يحمل عليه ذنب غيره، ولا يبخس المحسن منهم ثواب إحسانه.
وبعد أن بين سبحانه أنه يعطى كل ذى حق حقه - بين الأهوال التي يلاقيها الكافرون فقال :
(وَيَوْمَ يُعْرَضُ الَّذِينَ كَفَرُوا عَلَى النَّارِ أَذْهَبْتُمْ طَيِّباتِكُمْ فِي حَياتِكُمُ الدُّنْيا وَاسْتَمْتَعْتُمْ بِها فَالْيَوْمَ تُجْزَوْنَ عَذابَ الْهُونِ بِما كُنْتُمْ تَسْتَكْبِرُونَ فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَبِما كُنْتُمْ تَفْسُقُونَ) أي واذكر لقومك حال الذين كفروا حين يعذبون فى النار، ويقال لهم على سبيل التأنيب والتوبيخ : إن كل ما قدر لكم من اللذات والنعيم قد استوفيتموه فى الدنيا ونلتموه ولم يبق لكم منه شىء، ولكن بقيت لكم الإهانة والخزي جزاء استكباركم وفسوقكم عن أمر ربكم وخروجكم من طاعته.
وفى هذا تحريض على التقلل من زخرف الدنيا وزينتها والأخذ بالتقشف فيها.
أخرج سعيد بن منصور وعبد بن حميد وابن المنذر والحاكم والبيهقي عن ابن عمر أن عمر رضى اللّه عنه رأى فى يد جابر بن عبد اللّه رضى اللّه عنه درهما فقال ما هذا الدرهم ؟
قال أريد أن أشترى به لأهلى لحما قرموا إليه، فقال : أ كلما اشتهيتم شيئا اشتريتموه ؟
أين تذهب عنكم هذه الآية :« أَذْهَبْتُمْ طَيِّباتِكُمْ فِي حَياتِكُمُ الدُّنْيا وَاسْتَمْتَعْتُمْ بِها » وروى الحسن عن الأحنف بن قيس أنه سمع عمر بن الخطاب رضى اللّه عنه يقول :
لأنا أعلم بخفض العيش، ولو شئت لجعلت أكبادا وصلاء « ١ » وصنابا وصلائق ولكنى
(١) الصلاء. الشواء بالمد والكسر، والصناب : صباغ (سلطة) يتخذ من الخردل والزبيب، والصلائق : الحملان المشوية.