ج ٢٧، ص : ١٠٩
ثم الحب الذي عليه المعول فى الغذاء فى جميع البلاد، فهو أتم نعمة لموافقته لمزاج الإنسان، ومن ثم خلقه اللّه فى سائر البلاد، وجعل النخل فى البلاد الحارة دون غيرها.
(فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ) أي فبأى النعم المتقدمة يا معشر الثقلين من الجن والإنس تكذبان ؟ والمراد من تكذيب آلائه كفرهم بربهم، لأن إشراكهم آلهتهم به فى العبادة دليل على كفرانهم بها، إذ من حق النعم أن تشكر، والشكر إنما يكون بعبادة من أسداها إليهم.
والتعبير (بالرب) للاشارة إلى أنها نعم صادرة من المالك المربّى لهما الذي ينميهما أجساما وعقولا، فهو الحقيق بالحمد والشكر على ما أولى وأنعم، والعبادة له دون سواه.
وقد كررت هذه الآية فى واحد وثلاثين موضعا من السورة تقريرا للنعمة، وتأكيدا للتذكير بها، فتراه عدّد نعمه على الخلق وفصل بين كل نعمتين بما يذكرهم ويقررهم بها.
وهذا أسلوب كثير الاستعمال فى كلام العرب، فترى الرجل يقول لمن أحسن إليه بنعمة وهو يكفر بها : أ لم تكن فقيرا فأغنيتك، أ فتنكر هذا ؟ أ لم تكن عريانا فكسوتك ؟
أفتنكر هذا، أ لم تكن خاملا فرفعت قدرك، أ فتنكر هذا ؟.
فكأنه سبحانه قال : أ لم أخلق الإنسان. وأعلمه البيان. وأجعل الشمس والقمر بحسبان. وأنوّع الشجر. وأبدع الثمر. وأعممها فى البدو والحضر، لمن آمن بي وكفر.
وأسقيها حينا بالمطر، وآونة بالجداول والنّهر. أ فتنكران ذلك أيها الإنس والجن ؟.
وقد جاء مثل هذا فى أشعارهم : انظر قول مهلهل يرثى أخاه كليبا :
على أن ليس عدلا من كليب إذا ما ضيم جيران المجير
على أن ليس عدلا من كليب إذا خرجت مخبّأة الخدور
على أن ليس عدلا من كليب إذا خيف المخوف من الثغور
على أن ليس عدلا من كليب إذا ما خار جأش المستجير


الصفحة التالية
Icon