ج ٢٧، ص : ٥٨
تفسير المفردات
بما عملوا : أي بالعقاب على عملهم، بالحسنى : أي بالمثوبة الحسنى وهى الجنة، كبائر الإثم : ما يكبر عقابه كالزنا وشرب الخمر، والفواحش : واحدها فاحشة وهى ما عظم قبحها من الكبائر، واللمم : ما صغر من الذنوب كالنظرة والقبلة، وهو فى اللغة اسم لما قلّ قدره ومنه لمّة الشعر، وقيل اللمم : الدنو من الشيء دون ارتكابه من قولهم ألممت بكذا : أي قاربت منه، وعليه فالمراد به الهمّ بالذنب وحديث النفس دون حدوث فعل، ومن ثم قال سعيد بن المسيّب : هو ما خطر على القلب، والأجنة :
واحدها جنين، وهو الولد ما دام فى البطن.
المعنى الجملي
بعد أن أمر سبحانه رسوله بالإعراض عن المشركين مع شدة ميله إلى إيمانهم، وتطلعه إلى هدايتهم، وتعلقه بصلاحهم وإرشادهم وهم قومه وعشيرته، وأبان له أن هؤلاء قوم انصرفوا عن النظر إلى الحق، ووجهوا همّهم إلى زخرف الدنيا، وأن منتهى علمهم التصرف فى شئونها، فهى قبلتهم التي إليها يحجون، ومطمح أنظارهم الذي إليه يرنون، وذكر أنه هو العليم باستعدادهم، وأنهم قوم ضالون لا يصل الحق إلى شغاف قلوبهم، ولا يلتفتون إليه بعيونهم.
ذكر هنا أنه لا يهملهم، بل سيجزيهم بسوء صنيعهم، وهو العليم بما فى السموات والأرض، فلا يترك عباده هملا، بل يجازيهم بعدله، فيثيب المحسن بالجنة، ويعاقب المسيء على سوء صنيعهم بما هو أهله، ثم أردف ذلك ذكر أوصاف المحسنين وأنهم هم الذين يجتنبون كبائر الإثم والفواحش، ولا يقع منهم إلا اللمم من صغائر الذنوب الفينة بعد الفينة، ويتوبون منه ولا يصرّون عليه، ثم حذّر عباده بأنه لا تخفى عليه خافية من أمورهم من حين أن كانوا أجنة فى بطون أمهاتهم إلى أن يموتوا، فيعلم المطيع من المعاصي، فلا حاجة للعبد إذا إلى مدح نفسه بفعل الطاعات، واجتناب السيئات.