ج ٢٧، ص : ٩٠
القوم ولا من أشرافهم، وليس له ميزة عن امرئ منا بعلم ظاهر، ولا ثروة وغنى، تجعله يدّعى أن يكون الزعيم لنا.
ثم ذكروا وجه إصرارهم على تكذيبه بقولهم :
(إِنَّا إِذاً لَفِي ضَلالٍ وَسُعُرٍ) أي إنا لو اتبعناه نكون قد ضللنا الصراط السوىّ، وجانبنا الصواب، وصرنا لا محالة إلى الجنون الذي لا يرضى به عاقل لنفسه.
روى أن صالحا كان يقول لهم : إن لم تتبعونى كنتم فى ضلال عن الحق وسعر، فعكسوا عليه مقاله بعتوّهم واستكبارهم فقالوا : إنا إن اتبعناك كنا كما تقول :
ثم بالغوا فى العتو والإنكار وتعجبوا من أمره ونسبوه إلى الاختلاق والكذب فقالوا :
(أَأُلْقِيَ الذِّكْرُ عَلَيْهِ مِنْ بَيْنِنا بَلْ هُوَ كَذَّابٌ أَشِرٌ) أي أ أنزل عليه الوحى من بيننا وأوتى النبوة وهو واحد منا ؟ ولم اختصه اللّه بإنزال الشرائع عليه وهو ليس بملك مكرّم ؟ الحق إنه لكذاب متجبر، يريد أن تكون له السيطرة والسلطان علينا، ويودّ أن يكون الرئيس المطاع، وما ذاك إلا بما زينته له نفسه، وأغواه به الشيطان، ولا يستند إلى وحي سماوى، ولا أمر إلهى.
ثم حكى سبحانه ما قاله لصالح وعدا له ووعيدا لقومه فقالوا :
(سَيَعْلَمُونَ غَداً مَنِ الْكَذَّابُ الْأَشِرُ ؟ ) أي سيعلمون عن قريب حين يحل بهم الهلاك الدنيوي - من الكذاب البطر الذي حمله بطره على ما فعل، أصالح فى دعواه الرسالة من ربه، وأنه أمره بالتبليغ لهداية قومه إلى الحق وإلى طريق مستقيم، أم هم فى تكذيبهم إياه ودعواهم عليه الاختلاق والكذب ؟.
وقصارى ذلك - سيتبين لهم أنهم هم الكذابون الأشرون.
وأورد الكلام على طريق الإبهام للإشارة إلى أنه مما لا يخفى، جريا على أساليبهم كقوله تعالى آمرا رسوله أن يقول للمشركين :« وَإِنَّا أَوْ إِيَّاكُمْ لَعَلى هُدىً أَوْ فِي ضَلالٍ مُبِينٍ » وقوله :