ج ٢٨، ص : ٣٥
عليهم، ويزيلوا تحصنهم بها، وليتسع مجال القتال، ويكون فى ذلك عظيم التنكيل والغيظ لهم.
ثم ذكر ما يجب أن يجعله العاقل نصب عينيه من عظة واعتبار فقال :
(فَاعْتَبِرُوا يا أُولِي الْأَبْصارِ) أي فاتعظوا يا ذوى البصائر السليمة، والعقول الراجحة، بما جرى لهؤلاء من أمور عظام، وبلاء ما كان يخطر لهم ببال، بأسباب تحار فى فهمها العقول، ولا يصل إلى كنه حقيقتها ذوو الآراء الحصيفة، وابتعدوا عن الكفر والمعاصي التي أوقعتهم فى هذه المهالك، فالسعيد من وعظ بغيره، وإياكم والغدر، والاعتماد على غير اللّه، فما اعتمد أحد على غيره إلا ذلّ.
ثم بين أن الجلاء الذي كتب عليهم كان أخف من القتل والأسر فقال :
(وَلَوْ لا أَنْ كَتَبَ اللَّهُ عَلَيْهِمُ الْجَلاءَ لَعَذَّبَهُمْ فِي الدُّنْيا وَلَهُمْ فِي الْآخِرَةِ عَذابُ النَّارِ أي ولو لا أن اللّه قدّر جلاءهم من المدينة، وخروجهم من أوطانهم على هذا الوجه المهين، لعذبهم فى الدنيا بما هو أفظع منه من قتل وأسر كما فعل مع المشركين فى وقعة بدر، وكما فعل مع بنى قريظة فى سنة خمس للهجرة، كفاء غدرهم وخيانتهم، وتأليب المشركين على المؤمنين، والسعى فى إطفاء نور الإسلام حتى لا تقوم لهم قائمة - إلى ما أعد لهم من عذاب مقيم، ونكال وجحيم، حين تقوم الساعة، وتجازى كل نفس بما كسبت.
ثم بين السبب فيما حل بهم وذكر علته فقال :
(ذلِكَ بِأَنَّهُمْ شَاقُّوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ) أي إنه إنما فعل ذلك بهم، وسلط عليهم رسوله وعباده المؤمنين، لأنهم خالفوا اللّه ورسوله، وكذبوا بما أنزله على رسله المتقدمين من البشارة بمحمد صلى اللّه عليه وسلم، فهم يعرفونه كما يعرفون أبناءهم.
ثم ذكر مآل من يعادى اللّه ورسوله فقال :
(وَمَنْ يُشَاقِّ اللَّهَ فَإِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقابِ) أي ومن يعاد اللّه فإن اللّه يعاقبه أشد العقاب، وينزل به الخزي والهوان فى الدنيا، والنكال السرمدي فى الآخرة.


الصفحة التالية
Icon