ج ٢٩، ص : ١٥٧
ويرى قوم أن معنى أولى أجمل وأمرى، فيكون المراد - النار أولى بك وأجمل.
ثم كرر هذا الوعيد فقال :
(ثُمَّ أَوْلى لَكَ فَأَوْلى ) أي يتكرر هذا الدعاء عليك مرة بعد أخرى، فأنت جدير بهذا.
روى قتادة « أن النبي صلى اللّه عليه وسلم أخذ بيد أبى جهل فقال : أولى لك فأولى ثم أولى لك فأولى، فقال عدو اللّه : أ توعدني يا محمد، واللّه ما تستطيع لى أنت ولا ربك شيئا، واللّه لأنا أعز من مشى بين جبليها، فلما كان يوم بدر أشرف عليهم فقال : لا يعبد اللّه بعد هذا اليوم، فقتل إذ ذاك شرّ قتله ».
وعن سعيد بن جبير قال : سألت ابن عباس عن قول اللّه تعالى :« أَوْلى لَكَ فَأَوْلى » أ شيء قاله رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم من نفسه أم أمره اللّه تعالى به ؟
قال بل قاله من قبل نفسه، ثم أنزله اللّه تعالى ».
ثم أقام الدليل على البعث من وجهين :
(١) (أَيَحْسَبُ الْإِنْسانُ أَنْ يُتْرَكَ سُدىً) أي لا يترك الإنسان فى الدنيا مهملا لا يؤمر ولا ينهى، ولا يترك فى قبره مهملا لا يحاسب، بل هو مأمور منهى محشور إلى ربه، فخالق الخلق لا يساوى الصالح المزكّى نفسه بصالح الأعمال، والطالح المدسّى نفسه باجتراح السيئات والآثام كما قال :« إِنَّ السَّاعَةَ آتِيَةٌ أَكادُ أُخْفِيها لِتُجْزى كُلُّ نَفْسٍ بِما تَسْعى » وقال :« أَمْ نَجْعَلُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ كَالْمُفْسِدِينَ فِي الْأَرْضِ أَمْ نَجْعَلُ الْمُتَّقِينَ كَالْفُجَّارِ ».
وإذا فلا بد من دار للثواب والعقاب والبعث والقيامة.
(٢) (أَلَمْ يَكُ نُطْفَةً مِنْ مَنِيٍّ يُمْنى. ثُمَّ كانَ عَلَقَةً فَخَلَقَ فَسَوَّى. فَجَعَلَ مِنْهُ الزَّوْجَيْنِ الذَّكَرَ وَالْأُنْثى ؟ ) أي أما كان هذا المنكر قدرة اللّه على إحيائه بعد مماته وإيجاده بعد فنائه - نطفة فى صلب أبيه، ثم كان علقة ثم سواه بشرا ناطقا سميعا بصيرا، ثم جعل منه أولادا ذكورا وإناثا بإذنه وتقديره ؟


الصفحة التالية
Icon