ج ٢٩، ص : ١٧٦
ثم توعّدهم وهدّدهم فقال :
(وَإِذا شِئْنا بَدَّلْنا أَمْثالَهُمْ تَبْدِيلًا) أي وإذا شئنا أهلكناهم وأتينا بأشباههم فجعلناهم بدلا منهم.
ونحو الآية قوله :« إِنْ يَشَأْ يُذْهِبْكُمْ أَيُّهَا النَّاسُ وَيَأْتِ بِآخَرِينَ وَكانَ اللَّهُ عَلى ذلِكَ قَدِيراً » وقوله :« إِنْ يَشَأْ يُذْهِبْكُمْ وَيَأْتِ بِخَلْقٍ جَدِيدٍ، وَما ذلِكَ عَلَى اللَّهِ بِعَزِيزٍ » وقوله :« عَلى أَنْ نُبَدِّلَ أَمْثالَكُمْ »
وقد جرت سنة اللّه بأن يزيل ما لا يصلح للرقى من خلقه، فهو يهلك هؤلاء ويبدل أمثالهم فيجعلهم مكانهم، كما هى قاعدة بقاء الصلاح والأصلح، وإهلاك ما لا يصلح للبقاء.
وبعد أن ذكر أحوال السعداء والأشقياء أرشد إلى أن فى هذا الذكر تذكرة وموعظة للخلق، وفوائد جمة لمن ألقى سمعه، وأحضر قلبه، وكانت نفسه مقبلة على ما ألقى إليه سمعه، فقال :
(إِنَّ هذِهِ تَذْكِرَةٌ فَمَنْ شاءَ اتَّخَذَ إِلى رَبِّهِ سَبِيلًا) أي إن هذه السورة بما فيها من ترتيب بديع، ونسق عجيب، ووعد ووعيد، وترغيب وترهيب، تذكرة للمتأملين، وتبصرة للمستبصرين، فمن شاء الخير لنفسه فى الدنيا والآخرة، فليتقرب إلى ربه بالطاعة، ويتبع ما أمره به، وينته عما نهاه عنه، ليحظى بثوابه، ويبتعد عن عقابه.
(وَما تَشاؤُنَ إِلَّا أَنْ يَشاءَ اللَّهُ) أي وما تشاءون اتخاذ السبيل الموصلة إلى النجاة ولا تقدرون على تحصيلها إلا إذا وفقكم اللّه لاكتسابها، وأعدّكم لنيلها، إذ لا دخل لمشيئة العبد إلا فى الكسب، وإنما التأثير والخلق لمشيئة اللّه عز وجل، فمشيئة العبد وحدها لا نأتى بخير، ولا تدفع شرا، وإن كان يثاب على المشيئة الصالحة، ويؤجر على قصد الحير كما
فى حديث :« إنما الأعمال بالنيات وإنما لكل امرئ ما نوى ».