ج ٣، ص : ١٤٥
يمسه الشيطان يوم ولدته أمه إلا مريم وابنها »
والمراد أن الشيطان يطمع في إغواء كل مولود بحيث يتأثر منه إلا مريم وابنها، فإن اللّه تعالى عصمهما ببركة هذه الاستعاذة، ونحوه حديث شق الصدر وغسل القلب بعد استخراج حظ الشيطان منه، إذ معناه أنه لم يبق للشيطان نصيب من قلبه صلى اللّه عليه وسلم ولو بالوسوسة (فَتَقَبَّلَها رَبُّها بِقَبُولٍ حَسَنٍ) أي فتقبل مريم من أمها ورضى أن تكون محررة للعبادة وخدمة بيته على صغرها وأنوثتها، وكان التحرير لا يجوز إلا لغلام عاقل قادر على خدمة البيت.
(وَأَنْبَتَها نَباتاً حَسَناً) أي رباها ونماها بما يصلح أحوالها كما يربّى النبات في الأرض الصالحة بعد تعهد الزراع إياه بالسقي وقلع ما يضعفه من النبات الطفيلي.
وهذه التربية تشمل التربية الروحية والجسدية، فقد نمى جسدها فكانت خير لداتها جسما وقوة، كما نماها صلاحا وعفة وسداد رأى.
(وَكَفَّلَها زَكَرِيَّا) أي جعله كافلا لمصالحها وقائما بشئونها.
(كُلَّما دَخَلَ عَلَيْها زَكَرِيَّا الْمِحْرابَ وَجَدَ عِنْدَها رِزْقاً) أي كلما دخل زكريا محرابها وجد ألوانا من الطعام لم تكن توجد في مثل تلك الأحيان.
روى أنه كان يجد عندها فاكهة الصيف في الشتاء وفاكهة الشتاء في الصيف، وليس لدينا مستند صحيح من كتاب أو سنة يؤيد هذه الروايات الإسرائيلية.
(قالَ يا مَرْيَمُ أَنَّى لَكِ هذا ؟ ) أي قال من أين لك هذا والأيام أيام جدب وقحط.
(قالَتْ هُوَ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ) الذي يرزق الناس جميعا بتسخير بعضهم لبعض، وقد جرى العرف في كل زمان بإضافة الرزق إلى اللّه، وليس في هذا دلالة على أنه من خوارق العادات.
وسيق هذا القصص لتقرير نبوة النبي صلى اللّه عليه وسلم ودحض شبه أهل الكتاب الذين احتكروا فضل اللّه وجعلوه خاصا بشعب إسرائيل، ودحض شبهة المشركين الذين أنكروها لأنه بشر


الصفحة التالية
Icon