ج ٣، ص : ٦
على مثله البشر، وإنما كان الذي أوتيته وحيا أوحاه اللّه إلىّ، فأرجو أن أكون أكثرهم تابعا يوم القيامة ».
وروى عنه أنه قال :« فضّلت على الأنبياء بست : أوتيت جوامع الكلم، ونصرت بالرعب، وأحلّت لى الغنائم، وجعلت لى الأرض مسجدا وطهورا، وأرسلت إلى الخلق كافة، وختم بي النبيون ».
(وَآتَيْنا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ الْبَيِّناتِ وَأَيَّدْناهُ بِرُوحِ الْقُدُسِ) البينات هى ما يتبين به الحق من الآيات والدلائل كما قال :« وَلَقَدْ جاءَكُمْ مُوسى بِالْبَيِّناتِ » وأيدناه : أي قوّيناه، وروح القدس هو روح الوحى الذي يؤيد اللّه به رسله كما قال للنبى صلى اللّه عليه وسلم « قُلْ نَزَّلَهُ رُوحُ الْقُدُسِ مِنْ رَبِّكَ بِالْحَقِّ لِيُثَبِّتَ الَّذِينَ آمَنُوا وَهُدىً وَبُشْرى لِلْمُسْلِمِينَ ».
وخصّ عيسى بإيتاء البينات تقبيحا لإفراط اليهود في تحقيره، إذ أنكروا نبوّته مع ما ظهر على يديه من البينات القاطعة الدالة على صدقه، ولإفراط النصارى في تعظيمه حيث أخرجوه من مرتبة الرسالة وزعموا أنه إله لا رسول مؤيد بآيات اللّه.
(وَ لَوْ شاءَ اللَّهُ مَا اقْتَتَلَ الَّذِينَ مِنْ بَعْدِهِمْ مِنْ بَعْدِ ما جاءَتْهُمُ الْبَيِّناتُ، وَلكِنِ اخْتَلَفُوا فَمِنْهُمْ مَنْ آمَنَ وَمِنْهُمْ مَنْ كَفَرَ) قوله : من بعدهم أي من بعد الرسل من الأمم المختلفة، أي ولو شاء اللّه عدم اقتتالهم ما اقتتلوا بأن جعلهم متفقين على اتباع الرسل الذين جاءوا بالحق من ربهم، وقوله من بعد ما جاءتهم البينات : أي من بعد ما جاءهم الرسل بالمعجزات الواضحة والآيات الظاهرة الدالة على الحق الموجبة لاتباعهم، والزاجرة عن الإعراض عن سننهم، وقوله : ولكن اختلفوا : أي إنه لم يشأ عدم اقتتالهم، لأنهم اختلفوا اختلافا كبيرا، فمنهم من آمن بما جاء به الرسل، ومنهم من كفر بذلك كفرانا لا أمل معه في هداية.
وإيضاح هذا أن اللّه جعل للإنسان عقلا يتصرف به في أنواع شعوره، وفكرا يجول به في طرق معيشته ومعرفة ما يصلح له في شئونه النفسية والبدنية، وجعل ارتقاءه


الصفحة التالية
Icon