ج ٣، ص : ٩٩
(١) ما يدل اللفظ فيه على شىء والعقل على خلافه فتشابهت فيه الدلالة ولم يمكن الترجيح كالاستواء على العرش.
(٢) ما استأثر اللّه بعلمه من أحوال الآخرة.
وقد جاء وصف القرآن بالمحكم في قوله :« كِتابٌ أُحْكِمَتْ آياتُهُ » وهو إما بمعنى إحكام النظم وإتقانه، وإما بمعنى الحكمة التي اشتملت عليها آياته، ووصفه بالمتشابه في قوله :« اللَّهُ نَزَّلَ أَحْسَنَ الْحَدِيثِ كِتاباً مُتَشابِهاً » بمعنى أنه يشبه بعضه بعضا فى الهداية والسلامة من التناقض والتفاوت والاختلاف كما قال :« وَلَوْ كانَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللَّهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلافاً كَثِيراً » وقوله :« وَأُتُوا بِهِ مُتَشابِهاً » أي إن ما جيئوا به من الثمرات في الآخرة يشبه ما رزقوا به من قبل، فاشتبهوا فيه لهذا التشابه.
(فَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ ما تَشابَهَ مِنْهُ ابْتِغاءَ الْفِتْنَةِ وَابْتِغاءَ تَأْوِيلِهِ) أي فأما الذين يميلون عن الحق ويتبعون أهواءهم الباطلة فينكرون المتشابه وينفّرون الناس منه ويستعينون على ذلك بما في غرائز الناس وطبائعهم من إنكار ما لم يصل إليه علمهم ولا يناله حسهم كالإحياء بعد الموت وجميع شئون العالم الأخروىّ، ويأخذونه على ظاهره بدون نظر إلى الأصل المحكم ليفتنوا الناس بدعوتهم إلى أهوائهم، فيقولون إن اللّه روح والمسيح روح منه، فهو من جنسه، وجنسه لا يتجزأ فهو هو، ومعنى ابتغاء تأويله - أنهم يرجعونه إلى أهوائهم وتقاليدهم، لا إلى الأصل المحكم الذي بنى عليه الاعتقاد، فيحولون خبر الإحياء بعد الموت وأخبار الحساب والجنة والنار عن معانيها ويصرفونها إلى معان من أحوال الناس في الدنيا ليخرجوا الناس من دينهم، والقرآن ملىء بالرد عليهم من نحو قوله :« قُلْ يُحْيِيهَا الَّذِي أَنْشَأَها أَوَّلَ مَرَّةٍ ».
(وَما يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلَّا اللَّهُ، وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ يَقُولُونَ آمَنَّا بِهِ كُلٌّ مِنْ عِنْدِ رَبِّنا) للعلماء في تفسير هذه الآية رأيان :