ج ٣٠، ص : ١٦٨
(وَالْأَرْضِ وَما طَحاها) أي والأرض والذي بسطها ومهدها للسكنى، وجعل الناس ينتفعون بما على ظهرها من نبات وحيوان، وبما فى باطنها من مختلف المعادن.
ونحو الآية قوله :« الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ فِراشاً وَالسَّماءَ بِناءً ».
وقصارى ما سلف - إنه بعد أن أقسم سبحانه بالضياء والظلمة، أقسم بالسماء وما فيها من الكواكب، وبالذي بناها وجعلها مصدرا للضياء، وبالأرض والذي جعلها لنا فراشا ومصدرا للظلمة، فإنها هى التي يحجب بعض أجزائها ضوء الشمس عن بعضها الآخر فيظهر فيه الظلام.
ثم أقسم بعد هذا بالنفس الإنسانية لما لها من شرف فى هذا الوجود فقال :
(وَنَفْسٍ وَما سَوَّاها) أي قسما بالنفس ومن سواها وركب فيها قواها الباطنة والظاهرة، وحدد لكل منها وظيفة تؤديها، وألف لها الجسم الذي تستخدمه من أعضاء قابلة لاستعمال تلك القوى.
ثم بين أثر هذه التسوية فقال :
(فَأَلْهَمَها فُجُورَها وَتَقْواها) أي فألهم كل نفس الفجور والتقوى وعرفها حالهما، بحيث تميز الرشد من الغىّ، ويتبين لها الهدى من الضلال، وجعل ذلك معروفا لأولى البصائر.
وبعد أن ذكر أنه ألهم النفوس معرفة الخير والشر ذكر ما تلقاه جزاء على كل منهما فقال :
(قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاها) أي قد ربح وفاز من زكى نفسه ونمّاها حتى بلغت غاية ما هى مستعدة له من الكمال العقلي والعملي، حتى تثمر بذلك الثمر الطيب لها ولمن حولها.
(وَقَدْ خابَ مَنْ دَسَّاها) أي وخسر نفسه وأوقعها فى التهلكة من نقصها حقها بفعل المعاصي ومجانبة البر والقربات، فإن من سلك سبيل الشر، وطاوع داعى