ج ٦، ص : ٧٥
(يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ عَنْ مَواضِعِهِ) تحريف الكلم عن مواضعه يكون : إما بتحريف الألفاظ بالتقديم والتأخير والزيادة والنقصان، وإما بتحريف المعاني بحمل الألفاظ على غير ما وضعت له، وكل منهما قد وقع فى التوراة وغيرها من كتبهم، فإن التوراة التي كتبها موسى، وأخذ العهد والميثاق على بنى إسرائيل بحفظها كما نص على ذلك فى الفصل الحادي والثلاثين من سفر تثنية الاشتراع، قد فقدت باتفاق مؤرخى اليهود والنصارى عند سبى البابليين لليهود ولم يكن عندهم إلا هذه النسخة ولم يكونوا يستظهرونها، كما كان المسلمون يستظهرون القرآن فى عهد النبي صلى اللّه عليه وسلم.
وهناك أسفار خمسة ينسبونها إلى موسى - فيها خبر كتابته التوراة وأخذه للعهد عليهم بحفظها، ولا شك أن هذا ليس منها قطعا، وفيها خبر موته وأنه لم يقم بعده أحد مثله إلى ذلك الوقت، أي الوقت الذي كتب فيه سفر تثنية الاشتراع، وفى هذا أكبر دليل على أن الكاتب كان بعد موسى بردح طويل من الزمن كما أن فيها كثيرا من الكلمات البابلية الدالة على أنها كتبت بعد السبي.
لكل هذا حقق كثير من مؤرخى الفرنجة أن هذه التوراة التي بين أيديهم كتبت بعد موسى ببضعة قرون، كتبها عزرا الكاهن بعد أن أذن لبنى إسرائيل بالعودة إلى بلادهم.
(وَنَسُوا حَظًّا مِمَّا ذُكِّرُوا بِهِ) روى عن ابن عباس أنه قال : نسوا الكتاب وعن مجاهد أنه قال : نسوا كتاب اللّه إذ أنزل عليهم، ومرادهما أنهم نسوا طائفة من أصل الكتاب، وقال بعضهم : نسوا الكتاب بترك العمل به.
وفى الحق أنهم أضاعوا كتابهم وفقدوه عند ما أحرق البابليون هيكلهم وخرّبوا عاصمتهم وسبوا من بقي منهم حيا، فلما عادت إليهم الحرية جمعوا ما كانوا قد حفظوه من التوراة ووعوه وعملوا به.
وهذا من أعظم الأدلة على أن القرآن معجزة محمد صلى اللّه عليه وسلم أثبتها التاريخ بعد بعثة النبي بعدة قرون من موت موسى.