ج ٦، ص : ٧٦
(وَلا تَزالُ تَطَّلِعُ عَلى خائِنَةٍ مِنْهُمْ) الخائنة بمعنى الخيانة كالقائلة بمعنى القيلولة والخاطئة بمعنى الخطيئة أي إنك أيها النبي لا تزال تطلع من هؤلاء اليهود على خيانة إثر خيانة، فلا تظننّ أنك أمنت كيدهم بتأمينك إياهم على أنفسهم، فهم قوم لا وفاء لهم ولا أمان، فمن نقض عهد اللّه وميثاقه فكيف يرجى منه وفاء ؟ وكيف يطمع منه فى أمانة ؟
(إِلَّا قَلِيلًا مِنْهُمْ) كعبد اللّه بن سلام وإخوانه ممن أسلموا وصدقوا اللّه ورسوله فلا تظننّ بهم سوءا ولا تخف منهم خيانة ولا خداعا.
(فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاصْفَحْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ) أي فاعف عما فرط من هؤلاء القليل، واصفح عمن أساء منهم، وعاملهم بالإحسان الذي يحبه اللّه تعالى، فأنت أحق الناس باتباع ما يحبه اللّه ويرضاه، وهذا رأى أبى مسلم، وقال غيره : فاعف عن هؤلاء اليهود الذين هموا أن يبسطوا أيديهم إليك وإلى أصحابك بالقتل، واصفح لهم عن جرمهم، فانى أحب من أحسن العفو والصفح إلى من أساء إليه، إيثارا للاحسان والفضل على ما يقتضيه العدل.
وقد ثبت أن النبي صلى اللّه عليه وسلم رغب عند ما دخل المدينة فى مصالحة اليهود وموادعتهم فعقد معهم العهد على ألا يحاربوه ولا يظاهروا من يحاربه ولا يمالئوا عليه عدوّا له، وأن يكونوا آمنين على أنفسهم وأموالهم وحريتهم، وكان إذ ذاك منهم ثلاث طوائف حول المدينة وهم بنو قينقاع وبنو النّضير وبنو قريظة فنقضوا العهد وهمّوا بقتل النبي صلى اللّه عليه وسلم فحلّ له قتالهم، ولكنه رجح السلم على الحرب واكتفى بطردهم من جواره وبعث إليهم « أن اخرجوا من المدينة ولا تساكنونى وقد أجّلتكم عشرا فمن وجدته بها بعد ذلك ضربت عنقه » فأقاموا يتجهزون أياما ثم ثبّط عزيمتهم عبد اللّه بن أبىّ وأرسل إليهم ألا تخافوا إن معى ألفين يدخلون معكم حصنكم فيموتون دونكم وتنصركم قريظة وحلفاؤكم من غطفان، وكان رئيسهم المطاع حيىّ بن أخطب