ج ٦، ص : ٨٥
أبناء اللّه ولا أحباؤه، بل أنتم بشر من جملة ما خلق، واللّه سبحانه لا يحابى أحدا، وإنما يغفر لمن يعلم أنه مستحق للمغفرة، ويعذب من يعلم أنه مستحق للعذاب، فارجعوا عن غروركم بأنفسكم وسلفكم وكتبكم، فكل هذا لا يجزيكم فتيلا ولا قطميرا وإنما الذي ينفعكم هو الإيمان الصحيح وصالح الأعمال، فالجزاء إنما يكون عليها، لا على الأسماء والألقاب :
(وَلِلَّهِ مُلْكُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَما بَيْنَهُما وَإِلَيْهِ الْمَصِيرُ) أي إنه تعالى الخالق ذو التصرف المطلق فى كل شىء بمقتضى علمه وحكمته وعدله وفضله، وجميع المخلوقات عبيد له، لا أبناء ولا بنات « إِنْ كُلُّ مَنْ فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ إِلَّا آتِي الرَّحْمنِ عَبْداً » وفى ختمها بقوله « وإليه المصير » إشارة إلى أنه سيعذبهم فى الآخرة على هذا الكفر والدعاوى الباطلة، وأنهم عند ما يصيرون إليه يعلمون أنهم عبيد آبقون يجازون، لا أبناء ولا أحباء يحابون.
وقد كان اليهود يعتقدون أنهم شعب اللّه الخاص ميّزهم عن سائر البشر، فليس لشعب آخر أن يطلب مساواته بهم وإن كان أصح منهم إيمانا وأصح أعمالا، ولا ينبغى أن يتبعوا محمدا صلى اللّه عليه وسلم، لأنه عربى لا إسرائيلى، والفاضل لا يتبع المفضول، واللّه لا يعاملهم إلا معاملة الوالد لأبنائه الأعزاء، والنصارى قد زادوا عليهم غرورا فهم قد ادّعوا أن المسيح فداهم بنفسه وأنهم أبناء اللّه بولادة الروح، والمسيح ابنه الحقيقي ويخاطبون اللّه تعالى بلقب الأب.
وقد جاهد النبي صلى اللّه عليه وسلم غرور اليهود جهادا عظيما ولم يجد ذلك فيهم شيئا فرفضوا دعوته وردوا ما جاءهم به من أن العمل مرضاة اللّه وبه تنال تزكية النفس وإصلاحها كما جاهد صلف النصارى وكبرهم، وكانوا زمن التنزيل أشد من اليهود فسادا وظلما وعدوانا بشهادة المؤرخين، ومع كل هذا يدّعون أنهم أبناء اللّه وأحباؤه، وأنهم ليسوا فى حاجة إلى إصلاح دينهم ولا دنياهم كما فعل اليهود مثل ذلك


الصفحة التالية
Icon