لاتجاهات التفسير في القرن الرابع عشر الهجري وإن كنت أدرك من نفسي قصورها ومن الموضوع سعته، لكني أعلم أن كل نفس مكلفة بما تستطيع فما وجدت لي عذرا أن أتركه ولم أجد أحدا قد سده.
فاخترت "اتجاهات التفسير في القرن الرابع عشر الهجري" عنوانا لموضوع رسالتي لنيل درجة الدكتوراه؛ لأسباب عديدة سبقت الإشارة إليها ومجملها خمسة أمور:
أولها: أنا نعيش بعد القرن الرابع عشر الهجري مباشرة وما زالت الكتابة فيه بكرا، وما تزال الاتجاهات فيه واضحة المعالم بينة السبل، المستقيم منها والمنحرف.
ثانيها: أن في الإمكان توجيه الأذهان إلى الحق منها لسلوكه والتحذير من المنحرف وتقويم المعوج وتعديله، فما تزال الجادة فيه رطبة وما زالت الأغصان منه لينة.
ثالثها: ما اختص به هذا القرن من بين القرون السالفة كلها، من سهولة نشر المؤلفات وعرضها على الناس في وقت قصير مما كان له الأثر في كثرة المؤلفات وسرعة انتشارها بين الناس، فكانت دراسة هذه المناهج وعرضها أولى من غيرها نظرا للحاجة إلى ذلك.
رابعها: ما جد في هذا القرن من مناهج في التفسير، بعضها له جذور في القرون الماضية وبعضها جديد كل الجدة مما يوجب درسه ونقده وبيان ما له وما عليه.
خامسها: أن وسائل التفسير لم تكن فيه كما كانت من قبل بالكتابة والتدوين، بل جد فيها وسائل الإعلام الحديثة كالإذاعة والصحافة والرائي والندوات والمؤتمرات وغير ذلك، فكانت الحاجة ماسة لوضع المقاييس الصحيحة في أيدي الناس يزنون بها ما يسمعون، وينقدون بها ما يقرءون.
والأسباب غير ذلك كثيرة لا أظن أحدا يجهلها، ولعل فيما ذكرت منها الكفاية.