ويلمس الحاجة الماسة إلى ذلك كل من جلس مجلسا ضم أشخاصا اختلفت درجات علمهم وتنوعت وطرح فيه للحديث موضوع التفسير وحدوده، سيدرك لأول وهلة أن منهم من تلتبس عليه السبل وتختلط عليه المناهج فلا يدرك إدراكا صحيحا أبعاد التفسير المقبول وحدوده، ولا معالم التفسير المردود، فقد يرد الصحيح ويقبل الخاطئ لا لشيء إلا لقصور في مقاييسه أو لأنه سمعه من فلان أو علان.
وقد تلمس الحاجة الماسة عند من هم أعلى درجة من أولئك حين ترى كثيرا من طلبة العلم وأهله يسألون بين حين وآخر عن ذلك التفسير أو ذلكم المفسر: ما منهجه، وما طريقته؟ ويسألون عن الحق في تفسيره وسواه. وقد تجد هذا واضحا في رجوعهم الكثير للكتب التي تختص بدراسة التفسير والمفسرين. ذلكم -مثلا- كتاب "التفسير والمفسرون" للشيخ محمد حسين الذهبي، رحمه الله تعالى، درس فيه اتجاهات التفسير من العهد النبوي إلى العصر الحديث، ودراسته هذه وإن كانت دراسة سريعة عجلى إلا أنها قد سدت فراغا كبيرا في الدراسات القرآنية يظهر هذا في أنه قل أن تجد باحثا في هذا المجال إلا ويرجع إلى هذا الكتاب ويستفيد منه.
وقد تلمس الحاجة لمسا سريعا حين يوجه إليك أحدهم -وكثيرا ما يحدث هذا- سؤالا يطلب منك فيه أن تدله على كتاب في التفسير يقرؤه، يسأل هذا ليس لعدم معرفته لتفسير للقرآن، ولكن لأنه يعرف كثيرا منها فاختلط عليه الحابل بالنابل وأصبح لا يفرق بين غثها وسمينها، فهو هنا بحاجة إلى من يميز له بين هذا وذاك فوجه إليك سؤاله.
لست أريد هنا أن أقرر الحاجة إلى مثل هذا البحث، لكني أردت أن أبسط الواقع الذي يعيشه الناس في عصرنا هذا مع هذا الفيض من المؤلفات في التفسير