والقوم كانوا خالصي العروبة والقرآن الكريم نزل بلسان عربي مبين، فلا عجب أن يدركوا جل ذلك بهذه الخاصة إدراكا لا تعكره عجمة ولا يشوهه قبح ابتداع ولا يكدر صفوه عقيدة زائفة.
وكان عليه الصلاة والسلام يشرح لهم ما صعب عليهم فهمه بعد ذلك مما لا يعود فهمه إلى اللغة، ويجلي لهم ما عجزوا عن إدراكه امتثالا لأمر ربه: ﴿وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ﴾ ١.
وكان هذا الفهم المرتكز أساسا على مدلول اللغة وبيان الرسول -صلى الله عليه وسلم- هو النواة الأولى للتفسير، وبهذا المنهج الصافي النقي كانت طريقة الصحابة -رضي الله عنهم- في فهم القرآن، وإن شئت أن ترى أثره فيهم فانظر إلى أثرهم في مجتمعهم بل وخارج مجتمعهم.
كانوا في مجتمعهم مثالا شامخا للمجتمع الإسلامي الذي بعث من أجله محمد -صلى الله عليه وسلم- حين جعلهم خير القرون، وجعلهم القدوة لمن سيأتي بعدهم من المسلمين.
وكانوا خارج مجتمعهم جنودا للدعوة إلى الإسلام بالكلمة الصالحة وبالنفس والنفيس حتى ارتفعت راية الإسلام في شرق الأرض وغربها في بضع سنين، وحتى دانت لهم أرجاء المعمورة.
كيف لا والقرآن الكريم احتوى جميع ما تحتاج إليه البشرية في أمور دينها ودنياها، ماضيها وحاضرها ومستقبلها، في عقائدها وفي أخلاقها، في عباداتها وفي معاملاتها، في اقتصادها وفي سياستها الداخلية والخارجية، في سلمها وفي حربها.
كيف لا وتفسير القرآن الكريم هو الجسر الموصل لهذه المبادئ والمفتاح لهذه الكنوز.
لذلك فلا عجب أن يحرص المسلمون في ذلك الوقت على تلقي علوم

١ سورة النحل: من الآية ٤٤.


الصفحة التالية
Icon