وأقامها أبي بن كعب -رضي الله عنه- في المدينة وكان من تلاميذه زيد بن أسلم وأبو العالية ومحمد بن كعب القرظي.
وأقامها عبد الله بن مسعود -رضي الله عنه- في العراق وكان من تلاميذه علقمة بن قيس ومسروق والأسود بن يزيد وعامر الشعبي والحسن البصري وقتادة بن دعامة السدوسي.
ولم يكن هناك من فارق كبير يذكر بين منهج الصحابة ومنهج التابعين لكونهم إنما تلقوا التفسير عن الصحابة، وورثوا عنهم أيضا الورع عن القول في القرآن الكريم بغير علم، فهذا سعيد بن المسيب كان إذا سئل عن تفسير آية من القرآن سكت كأنه لم يسمع، وهذا الشعبي يقول: والله ما من آية إلا وقد سألت عنها ولكنها الرواية عن الله، وهذا -كما قلنا عن الصحابة رضي الله عنهم- محمول على تحرجهم عن الكلام في التفسير بما لا علم لهم به، فأما من تكلم بما يعلم من ذلك لغة وشرعا فلا حرج عليه١.
وثمة فروق بين المنهجين هي ثمرة اتساع انتشار العلم ودخول أمم شتى ذات أفكار ومنازع متعددة كان لها أثر في التفسير.
فاتسعت رواية الإسرائيليات لدخول كثير من أهل الكتاب في الإسلام وكان عندهم علم من الكتاب لاقى نفوسا متفتحة لسماع تفاصيل أخبار القرآن وقصصه فزجت طائفة منهم في التفسير بكثير من تلك الأخبار دون تحرٍّ لصحة أو تحقق لخبر.
وكثرت الاختلافات والأقوال في تفسيرهم للآية الواحدة، بل للكلمة الواحدة، ومن جهة أخرى اتسع نطاق التفسير فشمل آيات لم يشملها في الفترة السابقة؛ وذلك لدخول أمم أعجمية وأشخاص لم يعارضوا نزول الآيات وأسبابها، فكانت حاجة هؤلاء وأولئك ماسة لأن يبين لهم ما لم يبين من قبل فاتسع بهذا مجال التفسير عمقا ومساحة.

١ مجموع الفتاوي: ابن تيمية ج١٣ ص٣٧٣ -٣٧٤.


الصفحة التالية
Icon