وازداد التدوين للتفسير في هذه الفترة فقد كثر عدد الكتَّاب وتوفرت وسائل الكتابة، لكنه لم يكن مبوبا فكانت الأحاديث فيه غير مرتبة فحديث عن الزكاة يتلوه تفسير آية عن الخمر مثلا ثم يتلوه حديث عن البيع ونحو ذلك، ومما تم تدوينه في هذه المرحلة الصحيفة الصحيحة وهي التي أملاها أبو هريرة -رضي الله عنه- على همام بن منبه، وهي موجودة في مسند الإمام أحمد بكاملها ونقل الإمام البخاري -رحمه الله تعالى- منها عددا كثيرا.
هذه بعض الفوارق بين منهج الصحابة -رضي الله عنهم- ومنهج التابعين.
المرحلة الثالثة: عصر التدوين:
ونقصد بهذه المرحلة تدوين الحديث النبوي مبوبا، وكون التفسير بابا من أبوابه حيث نشط في عهد الخليفة الراشد عمر بن عبد العزيز، رحمه الله تعالى.
وكان لهم عناية خاصة بالإسناد، ولم تكن التفسيرات كلها مرفوعة إلى النبي صلى الله عليه وسلم، بل ضم إليها تفاسير الصحابة -رضي الله عنهم- وتفاسير التابعين، رحمهم الله تعالى.
ودخل في التفسير في تلك المرحلة الكثير من الإسرائيليات وزادت كثيرا عن المرحلة السابقة.
واتسع التفسير بالرأي، فهذا مجاهد بن جبر يفسر قوله تعالى: ﴿وَلَقَدْ عَلِمْتُمُ الَّذِينَ اعْتَدَوْا مِنْكُمْ فِي السَّبْتِ فَقُلْنَا لَهُمْ كُونُوا قِرَدَةً خَاسِئِينَ﴾ ١، بقوله: "مسخت قلوبهم ولم يمسخوا قردة، وإنما هو مثل ضربه الله لهم كمثل الحمار يحمل أسفارا". وقد رد عليه تفسيره هذا ابن جرير الطبري -رحمه الله تعالى- وعقب عليه بما أبطله٢، وهذا الحسن البصري -رحمه الله تعالى- يفسر القرآن على
٢ جامع البيان عن تأويل آي القرآن: تفسير الطبري ت. محمود وأحمد شاكر ج٢ ص١٧٣.