العصور السالفة بحاجة لدراسة اتجاهات التفسير فيه، حتى تظهر لنا جلية سلسلة التفسير بمناهجه واتجاهاته وحتى يكتمل العقد.
وبهذا الطريق -طريق الإشارة- نعرض سريعا لتعداد مناهج واتجاهات التفسير عند السابقين، وأمثلة للمؤلفات في كل منهج.
الاتجاهات العقائدية:
وهو من الاتجاهات التي تأثرت بمرور السنين، حيث اندثرت بعض المذاهب التي كان لها صولة وكان لها جولة فلم نعد نجد لها في العصر الحديث من أثر يذكر.
وضعفت مذاهب أخرى واندثرت أكثر فرقها كفرقة الخوارج مثلا حتى لم يبق إلا فرقة واحدة هي فرقة الأباضية، وهي في صراع مع خصومها الذين يلصقونها بالخوارج، وهي تنكرهم وترفضهم.
ولم يعد للفرق الباطنية من نشاط في التفسير كسابق عهدهم، بل اكتفى أتباعهم وغيرهم بنشر كتبهم القديمة.
ولم تعد فرقة الزيدية ولا الصوفية تولي التفسير عناية كتلك العناية لسلفهم فلم يؤلفوا تلك المؤلفات العديدة والتفاسير المطولة.
وفي جانب آخر نشأت المدرسة العقلية الحديثة متأثرة بعض التأثر بمدرسة الاعتزال، والمدرسة العقلية القديمة. وجدَّ في هذا الاتجاه مناهج إلحادية ليست هي بالباطنية الذين يقولون بتفسير القرآن بالباطن أو الذين يظهرون خلاف ما يبطنون، وليست بالتي تسلك التفسير الصحيح، بل تعلن التفسير الملحد وتعلن اعتقادها له، وتعلن أنه التفسير الصحيح للقرآن.
المؤلفات في منهج أهل السنة:
ونحمد الله أن تفاسير أهل السنة في الفترة السابقة كثيرة تحفظ للمسلمين النبع الصافي للعقيدة الإسلامية الصحيحة، وقد أجمل ابن تيمية -رحمه الله تعالى- الحديث عن تفاسير أهل السنة بقوله: "وأما "التفاسير" التي في أيدي
الفصل الأول: منهج أهل السنة والجماعة في تفسير القرآن الكريم:
التعريف بهم:
أما السنة فهي الطريقة، وتطلق شرعا على عدة معانٍ؛ فعند المحدثين هي ما جاء عن النبي -صلى الله عليه وسلم- من أقواله وأفعاله وتقريره وما همَّ بفعله١، وأما في عرف أهل الفقه والأصول فإنهم يطلقونها على المندوب، وهو ما يثاب فاعله ولا يعاقب تاركه.
وليس هذا ولا ذاك هو المقصود في مباحث العقائد؛ إذ هي عندهم عبارة عما سلم من الشبهات في الاعتقادات، خاصة في مسائل الإيمان بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر وكذلك
مسائل القدر وفضائل الصحابة وصنفوا في هذا العلم تصانيف وسموها كتب السنة، وإنما خصوا هذا العلم باسم السنة؛ لأن خطره عظيم والمخالف فيه على شفا هلكة٢.
ولا ريب في أن أهل النقل والأثر المتبعين آثار رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وآثار أصحابه هم أهل السنة -كما يقول ابن الجوزي وغيره- لأنهم على تلك الطريق التي لم يحدث فيها حادث، وإنما وقعت الحوادث والبدع بعد رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وأصحابه٣.

١ فتح الباري: ابن حجر العسقلاني ج١٣ ص٢٤٥.
٢ كشف الكربة: ابن رجب ص١١-١٢.
٣ نقد العلم والعلماء، أو تلبيس إبليس: لابن الجوزي ص١٦.


الصفحة التالية
Icon