بيان بعض عقائدهم:
تنزيه الله عن البداء:
البداء في لغة العرب على معنيين:
أولهما: الظهور بعد الخفاء، وورد هذا المعنى في القرآن الكريم في عدة
مواضع، منها قوله سبحانه: ﴿وَبَدَا لَهُمْ مِنَ اللَّهِ مَا لَمْ يَكُونُوا يَحْتَسِبُونَ﴾ ١، وقوله سبحانه: ﴿وَبَدَا لَهُمْ سَيِّئَاتُ مَا عَمِلُوا﴾ ٢، وقوله عز وجل: ﴿وَإِنْ تُبْدُوا مَا فِي أَنْفُسِكُمْ أَو تُخْفُوهُ يُحَاسِبْكُمْ بِهِ اللَّهُ﴾ ٣.
ثانيهما: نشأة الرأي الجديد، ومنه في القرآن الكريم قوله تعالى: ﴿ثُمَّ بَدَا لَهُمْ مِنْ بَعْدِ مَا رَأَوُا الْآياتِ لَيَسْجُنُنَّهُ حَتَّى حِينٍ﴾ ٤.
والبداء بهذين المعنيين لا يجوز نسبته إلى الله سبحانه وتعالى؛ لما يلزمهما من سبق الجهل وحدوث العلم بعده وكلاهما تنزه الله عنه؛ لأنهما صفتا نقص والأدلة كثيرة من الكتاب والسنة كقوله تعالى: ﴿مَا أَصَابَ مِنْ مُصِيبَةٍ فِي الْأَرْضِ وَلا فِي أَنْفُسِكُمْ إِلَّا فِي كِتَابٍ مِنْ قَبْلِ أَنْ نَبْرَأَهَا إِنَّ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ﴾ ٥، وقوله سبحانه: ﴿وَعِنْدَهُ مَفَاتِحُ الْغَيْبِ لا يَعْلَمُهَا إِلَّا هُوَ وَيَعْلَمُ مَا فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَمَا تَسْقُطُ مِنْ وَرَقَةٍ إِلَّا يَعْلَمُهَا وَلا حَبَّةٍ فِي ظُلُمَاتِ الْأَرْضِ وَلا رَطْبٍ وَلا يَابِسٍ إِلَّا فِي كِتَابٍ مُبِينٍ﴾ ٦، وغير ذلك من الآيات، وكقول الرسول صلى الله عليه وسلم: "قدر الله تعالى مقادير الخلق قبل أن يخلق السموات والأرض بخمسين ألف سنة، وكان عرشه على الماء" ٧.
وكما أن أهل السنة والجماعة وسط في فرق الأمة كما أن الأمة هي الوسط في الأمم٨، فإنهم هنا أيضا في هذا المعتقد يتربعون على عرش الوسطية مرتفعين

١ سورة الزمر: الآية ٤٧.
٢ سورة الجاثية: الآية ٣٣.
٣ سورة البقرة: الآية ٢٨٤.
٤ سورة يوسف: الآية ٣٥.
٥ سورة الحديد: الآية ٢٢.
٦ سورة الانعام: الآية ٥٩.
٧ قال الألباني في هذا الحديث: "صحيح وأخرجه أيضا أحمد ٢/ ١٦٩؛ والترمذي وصححه دون قوله: "وكان عرشه" وهو رواية لمسلم، ورواه البيهقي في الأسماء ٢٦٩، شرح الطحاوية ص١٤٠.
٨ مجموع الفتاوى: ابن تيمية ج٣ ص١٤١.


الصفحة التالية
Icon