الجمعة ليست بواجبة، ولعله ظن أن في الآية صارفًا للأمر عن الوجوب، وهو ما جاء في آخر السياق في قوله تعالى: ﴿وَذَرُوا الْبَيْعَ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ﴾، فقالوا: "إن ألأمر لتحصيل الخير المذكور، وقد نُقل عن بعض أتباع بعض الأئمة -رحمهم الله- ما يُوهم أنها ليست بفرض، وهو مسطر في كتبهم، مما قد يغتبر به بعض البسطاء، ولا سيما مع ضعف الوازع وكثرة الشاغل في هذه الآونة، مما يستوجب إيراده وبيان ردِّه من أقوال أصحابهم وأئمتهم، رحمهم الله جميعًا"١.
ثم أورد أقوال أصحاب المذاهب الأربعة وأئمتهم بما يثبت به قولهم جميعًا بوجوبها، ثم قال بعدما أورده كله: "فهذه نصوص المذاهب الأربعة في وجوب الجمعة وفَرْضِها على الأعيان؛ فلم يبقَ لأحد بعد ذلك أدنى شبهة يلتمسها من أيِّ مذهب ولا تتبع شواذه للتهاون بفرض الجمعة لنيابة الظهر عنها.
ثم اعلم أن في الآية قرينة على هذا الوجوب، وأنه لا صارف للأمر عن وجوب السعي إليها؛ وذلك أن مع الأمر بالسعي إليها الأمر بترك البيع والنهي عنه، وإذا كان ترك البيع واجبًا من أجلها فما وجب هو من أجله كان وجوبه هو أَوْلَى، قال في المغني: فأمر بالسعي، ويقتضي الأمر الوجوب، ولا يجب السعي إلا إلى الواجب، ونهى عن البيع لئلا يشغل به عنها، فلو لم تكن واجبة لما نهى عن البيع من أجلها، وهو واضح كما ترى، والأحاديث في الوعيد لتاركها بدون عذر مشهورة تؤكد الوجوب"٢، ثم ذكر بعض الأحاديث في ذلك.
أما الشيخ جمال الدين القاسمي، فقد أوجز العبارة في أحكام صلاة الجمعة، ورَدَّ على مَن زعم فرضية الظهر بعدها، فقال رحمه الله تعالى: "وظاهره أنه لا يشرع بعدها صلاة ما، غير أنه كان ﷺ يتنفل بعدها في بيته ركعتين -وفي رواية: أربعًا- وأما اعتقاد فرضية الظهر بعدها إذا تعددت؛ فتعصب مذهبي لا برهان له"٣.

١ أضواء البيان في إيضاح القرآن بالقرآن: تتمة الشيخ عطية محمد سالم، ج٨ ص٢٨٧.
٢ المرجع السابق، ج٨ ص٢٩٢.
٣ تفسير القاسمي: ج١٦ ص٥٨٠٤.


الصفحة التالية
Icon