وهذا القرآن مَن شك فيه فليعد"١.
ثم بيَّن -رحمه الله تعالى- أنه لم يستقصِ في تفسيره هذا نوعين من آيات الأحكام:
أحدهما: ما مدلوله بالضرورة؛ كقوله سبحانه وتعالى: ﴿وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ﴾ للأمان من جهله إلا أن تشتمل الآية من ذلك على ما لا يُعلم بالضرورة؛ بل بالاستدلال، فأذكرها لأجل القسم الاستدلالي منها؛ كآية الوضوء والتيمم.
وثانيهما: ما اختلف المجتهدون في صحة الاحتجاج به على أمر معين، وليس بقاطع الدلالة ولا واضحها، فإنه لا يجب على مَن لا يعتقد فيه دلالة أن يعرفه؛ إذ لا ثمرة لإيجاب معرفة الاستدلال به، وذلك كالاستدلال على تحريم لحوم الخيل بقوله تعالى: ﴿لِتَرْكَبُوهَا وَزِينَة﴾ ٢، وهذا لا تجب معرفته إلا على مَن يحتج به مِن المجتهدين؛ إذ لا سبيل إلى حصر كل ما يظن أو يجوز فيه استنباط الأحكام من خفي معانيه، ولا طريق إلى ذلك إلا عدم الوجدان، وهي من أضعف الطرق عند علماء البرهان"٣.
ثم بعد أن بيَّن ما لا يريد ذكره وضَّح ما يقصد ذكره بقوله: "وليس القصد إلا ذكر ما يدل على الأحكام دلالة واضحة؛ لتكون عناية طالب الأحكام به أكثر، وإلا فليس يحسن من طالب العلم أن يهمل النظر في جميع كتاب الله تعالى مقدمًا للعناية فيه، شاملًا للطائف معانيه، مستنبطًا للأحكام والآداب من ظواهره وخوافيه؛ فإنه الأمان من الضلال والعبود الأعظم في جميع الأحوال"٤.
ثم أوجز منهجه فيما تناوله من هذه الآيات لقوله: "وهأنا أُفسر تلك الآيات المشار إليها بتفسير وجيز جامع لما له وعليه، ولم آخذ فيها من الأقوال

١ نيل المرام من تفسير آيات الأحكام: محمد صديق حسن ص١٣.
٢ سورة النحل: من الآية ٨.
٣ نيل المراد من تفسير آيات الأحكام: محمد صديق حسن ص١٣، ١٤.
٤ نيل المراد من تفسير آيات الأحكام: محمد صديق حسن ص١٣، ١٤.


الصفحة التالية
Icon