وقد كانت المتعة في صدر الإسلام جائزة، ثم نُسخت واستقر على ذلك النهي والتحريم، وما رُوي عن ابن عباس من القول بحلها؛ فقد ثبت رجوعه عنه، كما أخرج الترمذي عنه -رضي الله عنه- أنه قال: "إنما كانت المتعة في أول الإسلام؛ كان الرجل يقدم البلدة ليس له بها معرفة، فيتزوج المرأة بقدر ما يرى أنه مقيم؛ فتحفظ له متاعه، وتصلح له شأنه، حتى نزلت الآية الكريمة: ﴿إِلَّا عَلَى أَزْوَاجِهِمْ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ﴾ ١، فكل فرج سواهما فهو حرام"٢.
فقد ثبت رجوعه عن قوله، وهو الصحيح، وحكي أنه إنما أباحها حالة الاضطرار والعنت في الأسفار؛ فقد روي عن ابن جبير أنه قال: قلت لابن عباس: لقد سارت بفتياك الركبان وقال فيها الشعراء، قال: "وما قالوا؟ " قلت: قالوا:

قد قلت للشيخ لما طال مجلسه يا صاح هو لك في فتوى ابن عباس
هل لك في رخصة الأطراف آنسة تكون مثواك حتى مصدر الناس
فقال: "سبحان الله ما بهذا أفتيت؟! وما هي إلا كالميتة والدم ولحم الخنزير، ولا تحل إلا للمضطر".
ومن هنا قال الحازمي: "إنه ﷺ لم يكن أباحها لهم وهم في بيوتهم وأوطانهم؛ وإنما أباحها لهم في أوقات بحسب الضرورات حمى حرَّمها عليهم في آخر الأمر تحريم تأبيد".
ثم ذكر الأدلة الشرعية والعقلية على تحريم المتعة؛ ذكر منها خمسة أدلة ثم ختمها بقول الخطابي: "تحريم المتعة كالإجماع إلا عن بعض الشيعة، ولا يصح على قاعدتهم في الرجوع في المخالفات إلى "علي" -رضي الله عنه- فقد صح عنه أنها نُسخت، ونقل البيهقي عن "جعفر بن محمد" أنه سُئل عن المتعة فقال: هي الزنا بعينه، فبَطَلَ بذلك كل مزاعم الشيعة"٣.
١ سورةالمؤمنون: من الآية ٦، والمعارج: من الآية ٣٠.
٢ رواه الترمذي: كتاب النكاح ج٣ ص٤٣٠.
٣ روائع البيان: محمد علي الصابوني ج١ ص٤٥٧-٤٥٩.


الصفحة التالية
Icon