كلها معها، وإن القرآن يملك أن يوجه الحياة الحاضرة وكأنما هو يتنزل اللحظة لمواجهتها في شئونها الجارية وفي صراعها الراهن مع الجاهلية من حولها بنفس الحيوية ونفس الواقعية التي كانت له هناك يومذاك١.
وأنظر إلى الجباه فأكاد أقرأ في قسماتها سؤالا وأنظر إلى الشفاه، فأكاد أسمعه عن الواقعية والحركية هذه.. أقرأ هناك وأسمع هنا نقدا مختفيا في سؤال.. قرأنا ما كتبت عنهما في الصفحات السابقة لكنا نراك مرة تنقل نصًّا لسيد رحمه الله تعالى يجعل الواقعية والحركية سمة من سمات الدين ونراك أنت تجعلها سمة من سمات تفسيره فهل هذا تناقض منك؟ أو هل بينهما من صلة؟
وأقول جوابا: نعم إن بينهما صلة؛ صلة الفرع بالأصل فالواقعية والحركية في الدين ولَّدتا عند سيد قطب رحمه الله تعالى التزامهما في تفسيره، فجاء تفسيره التزاما لمنهج الدين فيهما.
وإن شئت بعد هذا أن تلمسهما في تفسيره فاعلم أنهما أكثر ما يكونان فيه بل إن الواقعية عنده قد تولد عنهما قواعد أخرى برزت وعظمت حتى انفصلت.
ومن أغراض القرآن الأساسية ومنهجه الحركي انطلق سيد قطب -رحمه الله تعالى- لبناء منهجه الحركي التربوي وصارت الحركية والعمل والتفاعل مع النص المحوَّر الذي يدور عليه تفسيره، فلا ثمرة لترديد ألفاظ القرآن أو ترتيله تراتيل مهومة ما لم يتحول ذلك إلى قوة دافعة وإلى طاقة محركة تقود الإنسان وينقاد لها.
ونظرة عجلى لتفسير سيد قطب رحمه الله تعالى تظهر بلا شك أن وقفات سيد ونظراته وأفكاره ومناقشاته وعرضه وبيانه كلها تتحقق فيها الواقعية الجدية.

١ في ظلال القرآن: ج١ ص٣٤٨ بتصرف.


الصفحة التالية
Icon