وتبرز معالم هذه الحقيقة في صور شتى ومواضع عديدة فلم يتناول إلا الأمور الجادة النافعة، ورتب عليها آثارا عملية نتاجها الفوائد الجمة، أما تلك الأمور التي لا يترتب عليها حكم أو فائدة فإنه يعرض عن الخوض فيها.
ولهذه القاعدة في التفسير عند سيد رحمه الله تعالى جاء تفسيره تحسبه -وقد استمده من القرآن- علاجا مفصلا دقيقا لقضايا العصر وكأنه إنما أنزل لهذا العصر ولعلاج أمراضه المختلفة.
ولعل مصدر الواقعية الجدية قوله تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَسْأَلوا عَنْ أَشْيَاءَ إِنْ تُبْدَ لَكُمْ﴾ ١ وقد اهتم سيد رحمه الله تعالى بهذه الواقعية الجدية في هذه الآية فأورد ست روايات في سبب نزولها، وأحاديث ثلاثة في النهي عن كثرة الأسئلة وأربعة أقوال عن السلف في النهي عن ذلك ومنهج السلف الواقعي الجدي في السؤال والاستفتاء والفتوى الذي لا يجيب إلا على ما وقع من الأمور وترك ما لم يقع٢ ولذلك وصفه رحمه الله تعالى "بأنه منهج واقعي جادٌّ. يواجه وقائع الحياة بالأحكام المشتقة لها من أصول شريعة الله مواجهة عملية واقعية"٣.
وخذ مثلا لتطبيقات سيد رحمه الله تعالى لهذا الأساس ففي تفسير قوله تعالى: ﴿إِذْ يُوحِي رَبُّكَ إِلَى الْمَلائِكَةِ أَنِّي مَعَكُمْ فَثَبِّتُوا الَّذِينَ آمَنُوا سَأُلْقِي فِي قُلُوبِ الَّذِينَ كَفَرُوا الرُّعْبَ فَاضْرِبُوا فَوْقَ الْأَعْنَاقِ وَاضْرِبُوا مِنْهُمْ كُلَّ بَنَانٍ﴾ ٤ لم يتناول رحمه الله تعالى إلا الآثار الدعوية والعملية لهذا النص وإيحاءاته الاعتقادية والدلالات الحركية له، وأعرض عن الخوض في تفصيل كيفية اشتراك الملائكة في المعركة وعن حصر قتلاها من المشركين، ولا كيف قتلتهم الملائكة، وهو ما خاض به بعض المفسرين ولم يخرجوا بنتيجة واقعية جادة ويصف

١ سورة المائدة: الآية ١٠١.
٢ في ظلال القرآن: ج٢ ص٩٨٦-٩٨٨.
٣ في ظلال القرآن: ج٢ ص٩٨٧.
٤ سورة الأنفال: الآية ١٢.


الصفحة التالية
Icon