سيد رحمه الله تعالى البحث في كيفية الأفعال كلها بأنه ليس من الجد الذي هو طابع هذه العقيدة وطابع الحركة الواقعية بهذه العقيدة، ولكن هذه المباحث صارت من مباحث الفرق الإسلامية ومباحث علم الكلام في العصور المتأخرة، عندما فرغ الناس من الاهتمامات الإيجابية في هذا الدين، وتسلط الترف العقلي على الناس والعقول، وإن وقفة أمام الدلالة الهائلة لمعية الله سبحانه للملائكة في المعركة، واشتراك الملائكة فيها مع العصبة المسلمة لهي أنفع وأجدى"١.
وفي تفسير قوله تعالى: ﴿تَبْصِرَةً وَذِكْرَى لِكُلِّ عَبْدٍ مُنِيبٍ﴾ ٢ بين رحمه الله تعالى المراد بالتبصرة بأنها تبصرة تكشف الحجب وتنير البصيرة وتفتح القلوب، وتصل الأرواح بهذا الكون العجيب، وما وراءه من إبداع وحكمة وترتيب تبصرة ينتفع بها كل عبد منيب، يرجع إلى ربه من قريب" ولم يقف رحمه الله تعالى عند هذا البيان بل بين قيمة هذه التبصرة ومكانتها وكيف أهملتها مناهج البحث التي تسمى "علمية" حيث يقول: "وهذه هي الوصلة بين القلب البشري وإيقاعات هذا الكون الهائل الجميل هذه هي الوصلة التي تجعل للنظر في كتاب الكون والتعرف إليه أثرا في القلب البشري، وقيمة في الحياة البشرية هذه هي الوصلة التي يقيمها القرآن بين المعرفة والعلم وبين الإنسان الذي يعرف ويعلم. وهي التي تهملها مناهج البحث التي يسمونها "علمية" في هذا الزمان فتقطع ما وصل الله من وشيجة بين الناس والكون الذي يعيشون فيه وكل معرفة أو علم أو بحث يقف دون هذه الغاية الحية الموجهة المؤثرة في حياة البشر هي معرفة ناقصة، أو علم زائف، أو بحث عقيم"٣.
ولهذا المنهج أثره في ترك سيد رحمه الله تعالى تفسير بعض الأحكام التي لا وجود لها في واقع عصرنا الحاضر بغض النظر عن وجودها قبله أو حدوثها بعده فهو ينطلق من الواقع الجاد، فلم يدخل في التفصيلات الفقهية الخاصة بالغنائم والأنفال وأخذ الجزية من الذميين من أهل الكتاب.

١ في ظلال القرآن: ج٣ ص١٤٨٦.
٢ سورة ق: الآية ٨.
٣ في ظلال القرآن: ج٦ ص٣٣٥٩-٣٣٦٠.


الصفحة التالية
Icon