تطور التفسير البياني:
أشرقت شمس القرن الرابع عشر الهجري وطوقت بإشعتها الذهبية منارات الأزهر الشريف وفي ظلها وتحت فيئها يجلس عالم يلبس عمامة الأزهر وجلبابه وحوله عدد من تلاميذه جثيًّا على الركب يطلبون العلم والمعرفة.
ذلكم الشيخ محمد عبده يقرر لتلاميذه في بداية درسه القرآن الكريم الأمور التي يجب أن يلتزمها المفسر، فتسارق النظر إلى أوراق تلميذه السيد رشيد رضا تستدرك ما فاتك من الدرس فتقرأ فيها:
"للتفسير مراتب: أدناها: أن يبين بالإجمال ما يشرب القلب عظمة الله وتنزيهه، ويصرف النفس عن الشر ويجذبها إلى الخير وهذه هي التي قلنا: إنها متيسرة لكل أحد ﴿وَلَقَدْ يَسَّرْنَا الْقُرْآنَ لِلذِّكْرِ فَهَلْ مِنْ مُدَّكِرٍ﴾ ١.
وأما المرتبة العليا: فهي لا تتم إلا بأمور:
"أحدها": فهم حقائق الألفاظ المفردة التي أودعها القرآن -بحيث يحقق المفسر ذلك من استعمالات أهل اللغة، غير مكتفٍ بقول فلان وفهم فلان، فإن كثيرا من الألفاظ كانت تسعمل في زمن التنزيل لمعانٍ ثم غلبت على غيرها بعد ذلك بزمن قريب أو بعيد إلى أن قال: يجب على من يريد الفهم الصحيح أن يتتبع الاصطلاحات التي حدثت في الملة، ليفرق بينها وبين ما ورد في الكتاب فكثيرا ما يفسر المفسرون كلمات القرآن بالاصطلاحات التي حدثت في الملة بعد القرون الثلاثة الأولى، فعلى المدقق أن يفسر القرآن بحسب المعاني التي كانت مستعملة في عصر نزوله، والأحسن أن يفهم اللفظ من القرآن نفسه بأن يجمع ما تكرر في مواضع منه، وينظر فيه، فربما استعمل بمعانٍ مختلفة كلفظ الهداية. ويحقق كيف يتفق معناه مع جملة معنى الآية فيعرف المعنى المطلوب من بين معانيه، وقد قالوا: إن القرآن يفسر بعضه ببعض، وإن أفضل قرينة تقوم على حقيقة معنى اللفظ: موافقته لما سبق له من القول واتفاقه مع جملة المعنى وائتلافه مع القصد الذي جاء له الكتاب بجملته.