ثانيها: الأساليب فينبغي أن يكون عنده من علمها ما يفهم به هذه الأساليب الرفيعة. وذلك يحصل بممارسة الكلام البليغ ومزاولته مع التفطن لنكته ومحاسنه والعناية بالوقوف على مراد المتكلم منه؛ نعم إننا لا نتسامى إلى فهم مراد الله تعالى كله على وجه الكمال والتمام، ولكن يمكننا فهم ما نهتدي به بقدر الطاقة ويحتاج في هذا إلى الإعراب وعلم الأساليب "المعاني والبياني"، ولكن مجرد العلم بهذه الفنون وفهم مسائلها وحفظ أحكامها لا يفيد المطلوب.
ثالثها: علم أحوال البشر.
رابعها: العلم بوجه هداية البشر كلهم بالقرآن. فجيب على المفسر القائم بهذا الفرض الكفائي: أن يعلم ما كان عليه الناس في عصر النبوة من العرب وغيرهم؛ لأن القرآن ينادي بأن الناس كلهم كانوا في شقاء وضلال، وأن النبي ﷺ بعث به لهدايتهم وإسعادهم وكيف يفهم المفسر ما قبحته الآيات من عوائدهم على وجه الحقيقة أو ما يقرب منها إذا لم يكن عارفا بأحوالهم وما كانوا عليه؟
خامسها: العلم بسيرة النبي ﷺ وأصحابه وما كانوا عليه من علم وعمل وتصرف في الشئون دنيويها وأخرويها"١.
ونجد أيضا تلميذه السيد رشيد رضا ينقل عن أستاذه في موضع آخر قوله: "لا يتَّعِظُ الإنسان بالقرآن فتطمئن نفسه بوعده وتخشع لوعيده إلا إذا عرف معانيه وذاق حلاوة أساليبه. ولا يأتي هذا إلا بمزاولة الكلام العربي البليغ مع النظر في بعض النحو، كنحو ابن هشام وبعض فنون البلاغة كبلاغة عبد القاهر وبعد ذلك يكون له ذوق في فهم اللغة يؤهله لفهم القرآن"٢.
وبهذا يتضح سبب تفضيل الأستاذ الإمام محمد عبده تفسير الكشاف حين سأله تلميذه رشيد رضا: "أي التفاسير أنفع لطلبة العلم؟ قال: الكشاف. قلت:

١ تفسير المنار: محمد رشيد رضا ج١ ص٢١-٢٤ باختصار.
٢ تفسير المنار: محمد رشيد رضا ج١ ص١٨٢.


الصفحة التالية
Icon