منا بالمعلقات والنقائض والمفضليات، ومشهور الخمريات والحماسيات والمراثي والمدائح والغزليات ومأثور الرسائل والأمالي والمقامات، شغلنا بهذا ومثله عن الاتجاه إلى القرآن الكريم الذي لا جدال في أنه كتاب العربية الأكبر ومعجزتها البيانية الخالدة، ومثلها العالي الذي يجب أن يتصل به كل ذي عروبة أراد أن يكسب ذوقها ويدرك حسها ومزاجها ويستشف أسرارها في التعبير والأداء، مسلمًا كان أو غير مسلم.
ونحن في الجامعة نترك هذا الكنز الغالي لدرس التفسير، وقلَّّ فينا من حاول أن ينقله إلى مجال الدراسة الأدبية الخالصة التي قصرناها على دواوين الشعر ونثر مشهوري الكتاب، وكان المنهج المتَّبع في درس التفسير -إلى نحو ربع قرن من الزمان-١ تقليديًّا أثريًّا، لا يتجاوز فهم النص القرآني على نحو ما كان يفعل المفسرون من قديم حتى جاء شيخنا الإمام "الأستاذ أمين الخولي"، فخرج به عن ذلك النمط التقليدي وتناوله نصًّا أدبيًّا على منهج أصله، وتلقاه عنه تلامذته وأنا منهم"٢.
ولئن قرأنا ما كتبته التلميذة فمن الأولى أن نقرأ ما كتبه الأستاذ بنفسه ولئن كان في نصه طول ففيه استيفاء وشمول لبيان المراد. قال مبينا المقصد الحقيقي للتفسير عند الإمام محمد عبده ومعقِّبا عليه: فالمقصد الحقيقي عنده هو: الاهتداء بالقرآن وهو مقصد جليل ولا شك يحتاج المسلمون إلى تحقيقه. لكن ليس بدعا من الرأي أن ننظر في هذا المقصد لنقول: إنه ليس الغرض الأول من التفسير وليس أول ما يعنى به ويقصد إليه. بل إن قبل ذلك كله مقصدا أسبق وغرضا أبعد. تنشعب عنه الأغراض المختلفة، وتقوم عليه المقاصد المتعددة
ولا بد من الوفاء به قبل تحقيق أي مقصد آخر، سواء أكان ذلك المقصد الآخر، علميًّا أم عمليًّا، دينيًّا أم دنيويًّا، وذلك المقصد الأسبق والغرض الأبعد هو النظر في القرآن من حيث هو كتاب العربية الأكبر وأثرها الأدبي الأعظم، فهو الكتاب الذي أخلد العربية وحمى كيانها وخلد معها

١ كتبت بنت الشاطئ هذا في شعبان سنة ١٣٨١هـ.
٢ التفسير البياني للقرآن الكريم: د/ عائشة عبد الرحمن "بنت الشاطئ" ص١٣ ج١.


الصفحة التالية
Icon