فصار فخرها، وزينة تراثها، وتلك صفة للقرآن يعرفها العربي مهما يختلف به الدين أو يفترق به الهوى ما دام شاعرا بعربيته مدركًا أن العروبة أصله في الناس وجنسه بين الأجناس، وسواء بعد ذلك أكان العربي مسيحيًّا أو وثنيًّا أم كان طبيعيًّا دهريًّا، لا دينيًّا، أم كان المسلم المتحنف، فإنه سيعرف بعروبته منزلة هذا الكتاب في العربية، ومكانته في اللغة، دون أن يقوم ذلك على شيء من الإيمان بصفة دينية للكتاب أو تصديق خاص بعقيدة فيه وليس هذا شأن العرب فحسب، بل إن الشعوب التي ليست عربية الدم أصلا، ولكن وصلها التاريخ وسير الحياة بهذه العروبة فارتضت الإسلام دينا، أو خالطت العرب فساطت دماءها بدمائهم، ثم اتخذت العربية أصلا من أصول حياتها الأدبية حتى ربطتها العربية هذه الأواصر الوثقى، إلى أن صارت العربية عنصرا أساسيًّا وجانبا جوهريًّا من شخصيتها اللغوية الفنية، قد صار لكِتاب العربية الأعظم وقرآنها الأكرم مكانة بين ما تعنى به، من دراسة أدبية وآثار فنية قولية، فألزمها كل أولئك تناول هذا الكتاب بدراسة أدبية، تتفهم بها أصول ما ورثت من تلك العروبة إن كانت عربية النجار، أو كانت قد اتصلت بتلك العروبة اتصالا حيويًّا قويًّا دفع شخصيتها وسير وجودها ووجه حياتها فالعربي القح، أو من ربطته بالعربية تلك الروابط يقرأ هذا الكتاب الجليل ويدرسه درسا أدبيًّا كما تدرس الأمم المختلفة عيون آداب اللغات المختلفة، وتلك الدراسة الأدبية لأثر عظيم كهذا القرآن هي ما يجب أن يقوم به الدارسون أولا وفاءا بحق هذا الكتاب ولو لم يقصدوا الاهتداء به أو الانتفاع بما حوى وشمل "!! " بل هي ما يجب أن يقوم به الدارسون أولا، ولو لم تنطوِ صدورهم على عقيدة ما فيه، أو انطوت على نقيض ما يردده المسلمون الذين يعدونه كتابهم المقدس، فالقرآن كتاب الفن العربي الأقدس سواء أنظر إليه الناظر على أنه كذلك في الدين أم لا.
وهذا الدرس الأدبي للقرآن في ذلك المستوى الفني، دون نظر إلى أي اعتبار ديني هو ما نعتده وتعتده معنا الأمم العربية أصلا والعربية اختلاطا، مقصدا أول وغرضا أبعد يجب أن يسبق كل غرض ويتقدم كل مقصد ثم