مع هذا ما يتصل بالبيئة المعنوية بكل ما تتسع له هذه الكلمة من ماضٍ سحيق، وتاريخ معروف ونظام أسرة أو قبيلة، وحكومة في أي درجة كانت وعقيدة بأي لون تلونت، وفنون مهما تتنوع، وأعمال مهما تختلف وتتشعب، فكل ما تقوم به الحياة الإنسانية لهذه العروبة. وسائل ضرورية كذلك لفهم هذا القرآن العربي المبين.
وإذا جهدت الدراسة الأدبية في أن تعرف عن تلك العربية والعروبة أكثر وأعمق وأدق ما يعرف تبتغي بذلك درس أدبها درسا أدبيا صادقا يفي بحاجة المتعرض لتفسيره إلا بعد أن تستكمل كل وسائط تلك المعرفة للبيئة العربية أدبية ومعنوية.
أمَّا ما دمنا نقرأ التشبيه العربي القرآني، أو التمثيل العربي القرآني فإذا مادته الأضواء العربية، والظواهر الجوية العربية والحي أو الجماد المشهود في بلاد العرب لا نعرف عنه شيئا وليس عندنا عنه صورة خاصة. فما يحق لنا -مع هذا- أن نقول: إننا نفسر هذا القرآن أو نمهد لفهمه فهما أدبيا، يهيء للانتفاع به في نواحٍ أخرى.
وما دمنا نذكر الحجر، والأحقاف، والأيكة، ومدين، ومواطن ثمود ومنازل عاد، ونحن لا نعرف عن هذه الأماكن إلا تلك الإشارات الشاردة، فما ينبغي أن نقول: إننا فهمنا وصف القرآن لها ولأهلها أو أننا أدركنا مراد القرآن من الحديث عنها وعنهم، ثم لن تكون العبرة بهذا الحديث جلية ولا الحكمة ولا الهداية المرجوة مفيدة مؤثرة"١.
خلاصة الأمر أن الأستاذ أمين يشترط أن يدرس المفسر دراسة عامة لما يتصل بالبيئة التي نزل بها القرآن سواء أكانت هذه البيئة مادية كالظواهر الجوية والأرض بجبالها وأوديتها وحرارها والسماء ونجومها وأفلاكها أو كانت البيئة معنوية كتاريخ هذه الأمة في ماضيها ونظمها وأعرافها وعاداتها وتقاليدها.

١ التفسير معالم حياته منهجه اليوم: أمين الخولي ٣٩-٤١.


الصفحة التالية
Icon