لاكتساب الممكن من ذلك" لكنه لم يترك الغريزة دون كبح قوي وتنسيق فعال.
إنه يروض هذه الغريزة، حيث يتحدث عن القوة والعزة، فيضع معها في وصف الإله معاني السمو والخير وحسن التدبير: ﴿وَإِنَّ اللَّهَ لَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيم﴾ ١، كذلك يضع إلى جانب العزة العلم وهو الذي على وفقه تجري الأشياء صحيحة سالمة، طبق قوانينها، ومضبوط نظمها: ﴿ذَلِكَ تَقْدِيرُ الْعَزِيزِ الْعَلِيم﴾ ٢.
بل يضع إلى جانب العزة المغفرة، وعدم المؤاخذة على الإساءة والذنب: ﴿وَهُوَ الْعَزِيزُ الْغَفُور﴾ ٣.
وطالما يقرن العزة بالرحمة وفيض التلطف والترفق: ﴿يَنْصُرُ مَنْ يَشَاءُ وَهُوَ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ﴾ ٤ كما يقرن القوة بالأمانة: ﴿يَا أَبَتِ اسْتَأْجِرْهُ إِنَّ خَيْرَ مَنِ اسْتَأْجَرْتَ الْقَوِيُّ الْأَمِينُ﴾ ٥؛ القوي بأبعد معاني القوة نفسا وعقلا وجسما، والأمين بأخطر معاني الأمانة وأكمل استعداد للمسؤولية -هو القوي الأمين الذي يشير إليه القرآن ورجل القرآن الذي يحقق القوة الجامعة، ويمثل العزة التي يجمل مثلها لله ولرسوله، هو الرجل الذي يبني منه القرآن أمة هي: خير ما أخرج للناس؛ أمة تحقق السلام القائم على العدل، السلام الذي أصبح شعار هذه الأمة، يلقى الناس به إخوانهم في الغدو والرواح، السلام الذي "يأسوا جراح الإنسانية ويسعفها في صراع الغرائز، وقتال الشهوات". السلام الذي سمى الله به نفسه وجعل الجنة "دار السلام" وأهل الجنة: ﴿تَحِيَّتُهُمْ فِيهَا سَلام﴾ ٦، ٧

١ سورة آل عمران: الآية ٦٢.
٢ سورة الأنعام: الآية ٩٦.
٣ سورة الملك: الآية ٢.
٤ سورة الروم: الآية ٥.
٥ سورة القصص: الآية ٢٦.
٦ سورة يونس: الآية ١٠.
٧ المنهج البياني في تفسير القرآن الكريم: د/ كامل علي سعفان، ص١٦٤-١٦٦.


الصفحة التالية
Icon