تلكم هي الصورة التفسيرية التي قدمها في "الجندية والسلم" وهي مرحلة لا نكاد نستبين بينها وبين المنهج الذي دعا إليه من صلة.
المرحلة الثانية: القادة الرسل
وهي مجموعة أحاديث أذاعها بين عامي ١٩٤١-١٩٤٢م وجاءت أحاديثه عنهم عليهم السلام في عدة حلقات تحدث عن "رسل ورسالات" وعن "القادة الرسل" وعن "عزمات القادة" وعن "شمائل القادة" وعن "تبعات القادة" وعن "قادة لا جبابرة".
نختار منها مثالا أولها: "رسل ورسالات" وقد ألقاه إذاعة في حلقتين، قال في الأولى:
﴿رُسُلًا مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ لِئَلَّا يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَى اللَّهِ حُجَّةٌ بَعْدَ الرُّسُلِ وَكَانَ اللَّهُ عَزِيزًا حَكِيمًا﴾ ١ لقد جاءكم من هدي القرآن ما يمس مشكلات كثارا من عقد الحياة العاملة، ورأيتموه يتولى التنسيق الاجتماعي ماضيا إلى أغوار المصاعب ماسًّا أصولها البعيدة، وفي القرآن من ذلك كما سلف كثير وكثير والآن يلتمس هدى القرآن في تقدير قيم الأشخاص والأشياء والأعمال، ووزن البواعث والغايات التي ينبعث الناس بها في حياتهم ويصدرون عنها في تصرفهم، ويرمون إليها في سلوكهم ويجعلونها هدفهم في سعيهم، فقد اضطربت في ذلك الأهواء، ولاذ الناس في تقديرهم وتأثرهم بأحكام ومذاهب أبت إلا أن تقيس كل ما في الوجود بالعروض والنقود ورأت ألا تقدر كل أجر إلا بالرطل والمتر ولم يرضها وراء ذلك جزاء، ولا قبلت دونه ثمنا، واطمأن من حولنا وفيهم كثير من الخاصة إلى متع من الحياة يشركهم فيها الحيوان الأعجم وقد يغلبهم عليها الإنسان الأول٢ ساكن الغابة والمجهل، فأفاضوا بذلك على دنياهم، ودنيا غيرهم، قسوة وقتاما، وزادوها برودا وظلاما؛ إذ حالوا بين أنفسهم وبين متع من الروح والنعيم، ومباهج من السنا والنور،
٢ وهل كان الإنسان الأول كذلك؟!