ذلك عمل لا مال فيه ولا أجر من حطام الدنيا عليه، ثم هم آخر الأمر كما قال خاتمهم عليه السلام: "نحن معاشر الأنبياء لا نورث؛ ما تركناه صدقة"١ وكذلك ترقى النفس البشرية، فترقى لذتها ويهون عندها ما حببت إلى النفس من زينة الدنيا، وهكذا بسط القرآن هديه".
إلى أن قال: "وإن ما أحدث عنه من اللذات الراقية والتي اكتفى بها رسل الله الكرام فيما أدوا من رسالات تلك اللذات الراقية ليست من بعيد الفلسفة ولا عسير الآمال وممنع المطالب بل هي منزلة قد ارتقى إليها الكرام جميعا وبلغها في الأمم السعيدة، رجال العلم ورواد الكشف وأهل الجهاد، ولولاها ما أقدم رجل العلم على تجاريب يجربها حتى في نفسه، ولما جازف رجل الكشف يقتحم المجاهيل والمخاطر ولما حمل المجاهد يجالد المنايا ويعانق الفواتك المدمرة وما خطت الإنسانية خطوة واحدة في سبيل رقيها إلا على يد أولئك الذين استهوتهم اللذائذ الراقية فنسوا أنفسهم، وسعدوا بخير من حولهم، أولئك رسل الحضارة وتلك رسالاتهم"٢.
وواصل الأستاذ أمين حديثه هذا في الحلقة الثانية حيث قال: "وإذا ما عرفنا كيف نختار غايتنا الكريمة في هذه الحياة فقد بقي أن نعرف هدي القرآن في السير إلى تحقيق تلك الغاية المرجوة والوصول إلى المقصد الجليل كيف يخوض الناس الصعاب إلى أهدافهم؟ كيف يواجهون ما يعترضهم من عقبات، ماذا يعدون لتذليلها والتغلب عليها؟ تجد هدي القرآن عن هذا في حديث الرسل الكرام وما لقوا في سبيل تحقيق رسالاتهم وكيف واجهوا ذلك واحتملوه وماذا علمهم الله أن يفعلوا في هذا السبيل فتقرأ في غير موضع أخبار تكذيبهم وسبهم في إقذاع جريء من مثل قول قومهم لواحد منهم: {إِنَّا لَنَرَاكَ
٢ من هدي القرآن: القادة الرسل، أمين الخولي، ص١٤-١٩ باختصار.