"أيها الشاعرون بروعة القرآن: لقد قصروا النزول على المعنى المادي في الانتقال، والهبوط، والانحدار، ونحوه، وليس هذا كل معنى الكلمة، وليس هذا كل ما استعمل فيه القرآن هذه الكلمة لقد استعملها القرآن في حسيات ليس فيها انتقال، ولا هبوط. فهو يقول: ﴿أَنْزَلْنَا الْحَدِيدَ فِيهِ بَأْسٌ شَدِيد﴾ ١.
وليس هابطا من السماء، وهو يقول: ﴿يَا بَنِي آدَمَ قَدْ أَنْزَلْنَا عَلَيْكُمْ لِبَاسًا يُوَارِي سَوْآتِكُمْ وَرِيشًا﴾ ٢، وليس يعني انحدار هذا من الأعلى إلى الأرض.
بل يلاحظ أنه حين يقصد هذا الانتقال المادي يذكر مبداه ويصرح به فيقول:
﴿أَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاء﴾ ٣، ﴿وَأَنْزَلْنَا مِنَ الْمُعْصِرَاتِ مَاءً ثَجَّاجًا﴾ ٤، ﴿أَنْزِلْ عَلَيْنَا مَائِدَةً مِنَ السَّمَاء﴾ ٥، ولم يذكر هذا المبدأ في آية رمضان ونزول القرآن فيه!!
ومن المفروغ منه أن الألفاظ لا تقتصر على معناها الحسي أبدا، بل تنتقل عنه انتقالات كثيرة إلى إطلاقات معنوية وهم أنفسهم قالوا: الإنزال تقريب الشيء والهداية إليه، وإنزال الله نعمه، ونعمه على الخلق إعطاؤهم إياها ففيم إذنْ هذا الوقوف عند معنى النزول المادي من سماء إلى سماء أو الوصول إلى الأرض والإبلاغ إلى شخص".
وكأن الأستاذ أحس بأن هناك اعتراضا يقول: إذا كان المراد بالنزول: التقريب والهداية فلم خصه الله بشهر رمضان مع أن هداية القرآن غير مخصوصة به؟! فذهب الأستاذ الخولي يلتمس ما حسبه مستمسكا وما هو بمستمسك قال: "القرآن نعمة وهداية، تعطى للناس، وتقرب إليهم، وتيسر لهم ظروف ومناسبات مع رياضة خاصة، أو عبادة خاصة فإنزال القرآن في رمضان يمكن أن

١ سورة الحديد: الآية ٢٥.
٢ سورة الأعراف: الآية ٢٦.
٣ سورة الحج: الآية ٦٣.
٤ سورة النبأ: الآية ١٤.
٥ سورة المائدة: الآية ١١٤.


الصفحة التالية
Icon