وخرج؛ ليواصل الدعوة ولكنهم في هذه المرة لم يمهلوه، فأعلنها جمال من عاصمة من عواصم الإلحاد، ونحمد الله أنها لم تعلن من عاصمة من عواصم الإسلام؛ أعلنها من موسكو. إن الإخوان المسلمين قد دبروا مؤامرة للاستيلاء على الحكم بالقوة؟! كان ذلك عام ١٩٦٥م، فنشطت أجهزته في إلقاء القبض على الإخوان المسلمين وأصدقائهم ومعارفهم وأقاربهم ونسائهم وأطفالهم.
وأقيمت المذابح ونصبت المشانق ولم يترددوا في الإعدام والحرق والتعذيب في أبشع ألوانه وأشكاله تحت آلات أعدت له دونها محاكم التفيش في أوربا.
وشرف الله آل قطب، فسجن سيد وأخوه محمد، وأخواتهما الثلاث نفيسة -ولم يمنعهم سنها من ذلك فهي الشقيقة الكبرى لسيد- وأمينة، وحميدة وسجنوا أبناء أخته نفيسة حيث لقي أحدهما حتفه تحت التعذيب وسجنوا أيضا أولاد أخواله ولاقى هؤلاء جميعا من الأهوال ما لا يوصف ولا أدري لم ترد على خاطري كلما قرأت عن هذه الأسرة كلمة رسول الله ﷺ لآل ياسر: "صبرا آل ياسر؛ موعدكم الجنة"١.
كان سيد رحمه الله تعالى يحس هذه المرة إحساسا آخر كان يقول: "لقد عرفت أن الحكومة تريد رأسي هذه المرة"٢، وصدق رحمه الله تعالى، فقد صدر الحكم بإعدامه مع اثنين من الإخوان المسلمين هما محمد يوسف هواش وعبد الفتاح إسماعيل.
وقامت الاحتجاجات والمظاهرات في مختلف أرجاء العالم الإسلامي، وتوسطت كثير من الشخصيات، لكن الأمر في هذه المرة لا يقبل مثل هذا؛ ولذا فلم يقبل وساطة عبد الرحمن عارف كما قبل وساطة أخيه من قبل٣.
ولو لم يترك لنا التاريخ إلا تلك الكلمات التي قالها سيد باستعلاء المؤمن
٢ الشهيد سيد قطب: جماعة أصدقاء الشهيد سيد قطب عن مجلة الأخبار الإسلامية الدولية. الباكستان عدد شهر اكتوبر ١٩٦٦ ص٥٦.
٣ الشهيد سيد قطب: جماعة أصداء الشهيد سيد قطب ص١٠٤.