ج ١، ص : ٢٣٦
وهذا الحصر للخلاف فى الحقّ، والشرود عنه، وجعله فى أهل الكتاب وحدهم ـ إنما هو لانقطاع العذر عندهم لهذا الخلاف، بما وضع اللّه بين أيديهم من آياته، التي لو انتهوا عندها، ووقفوا على حدودها، لما ضلوا ولما اختلفوا..
أما غير أهل الكتاب ممن اختلفوا فى الحق، وضلوا عن سبيله فلهم عذرهم، إذ لم يكن بين أيديهم من حق وهدى مثل ما بأيدى أهل الكتاب الذين لا عذر لهم، إذ كان خلافهم وضلالهم عن بغى وعدوان.
وقوله تعالى :« فَهَدَى اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا لِمَا اخْتَلَفُوا فِيهِ مِنَ الْحَقِّ بِإِذْنِهِ وَاللَّهُ يَهْدِي مَنْ يَشاءُ إِلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ » يحدّد موقف الذين استجابوا للّه وللرسول، واتبعوا ما أنزل على « محمد »، واستقاموا على الحق الذي ضلّ عنه أهل الكتاب واختلفوا فيه. وكان ذلك توفيقا من اللّه وفضلا ورحمة بالمؤمنين، إذ استنقذهم من الضلال والعمى. « وَاللَّهُ يَهْدِي مَنْ يَشاءُ إِلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ ».
الآية :(٢١٤) [سورة البقرة (٢) : آية ٢١٤]
أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَأْتِكُمْ مَثَلُ الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلِكُمْ مَسَّتْهُمُ الْبَأْساءُ وَالضَّرَّاءُ وَزُلْزِلُوا حَتَّى يَقُولَ الرَّسُولُ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ مَتى نَصْرُ اللَّهِ أَلا إِنَّ نَصْرَ اللَّهِ قَرِيبٌ (٢١٤)
التفسير : أما وقد استنقذ اللّه سبحانه المؤمنين برحمته، وهداهم الصراط المستقيم بفضله، فقد وجب عليهم أداء أمانة هذا الدين الذي هداهم اللّه إليه، فالدّين ليس مجرد مفاهيم أو تصورات يتلقاها المؤمن من نصوص الشريعة، وإنما هو مع ذلك سلوك قائم فى ظل هذه المفاهيم وتلك التصورات، فالطريق إلى الجنة محفوف بالمكاره، والمؤمنون مبتلون فى أموالهم وأنفسهم، ممتحنون