ج ١، ص : ٩١
بِغَيْرِ الْحَقِّ ذلِكَ بِما عَصَوْا وَكانُوا يَعْتَدُونَ »
بيان لجرائمهم التي استحقوا عليها هذا العقاب الأليم.. فقد كفروا بآيات اللّه، وجحدوا النعم التي غمرهم اللّه بها، وغيّروا وبدّلوا فى كلمات اللّه، حسب ما أملت عليهم أهواؤهم، وسوّلت لهم أنفسهم، ثم تمادوا فى كفرهم وضلالهم فمدوا أيديهم بالأذى إلى رسل اللّه، الذين حملوا إليهم ما حملوا من نعم اللّه، وبلغ بهم الأمر فى هذا إلى أن استباحوا دم بعض هؤلاء الأنبياء!.
وفى قوله تعالى :« وَيَقْتُلُونَ النَّبِيِّينَ بِغَيْرِ الْحَقِّ » ما يكشف عن طبعهم اللئيم، الذي يرى الحق رأى العين، فيكتمه وينكره، ويقيم الباطل مقامه..
فهم إذ يقتلون من قتلوا من الأنبياء، يعلمون عن يقين أنّ هؤلاء الذين مدّوا إليهم أيديهم بالقتل، هم أنبياء اللّه، ولكن جاءوهم بما لا تشتهى أنفسهم، وعلى غير ما كانت تراودهم به أحلامهم.. فالمسيح ـ مثلا ـ الذي وقفوا منه هذا الموقف اللئيم، والذي دبروا له القتل صلبا، إنّما أنكروه وأنكروا آياته المشرقة إشراق الشمس فى يوم صحو، لأنه جاءهم بغير ما كانوا يحلمون به، من مسيح بعيد إليهم ملك سليمان، ودولته، ويمكّن لهم فى الأرض على رقاب النّاس، إذ جاءهم بالدعوة إلى التخلص من هذا الداء المتمكن فيهم، وهو حبّ الحياة، والاستكثار من متاعها.. فرفضوه، ثم أنكروه، ثم مكروا به ليصلبوه، ولم تسترح أنفسهم إلا بعد أن أيقنوا أنهم صلبوه.. وفى هذا يقول اللّه تعالى :« أَفَكُلَّما جاءَكُمْ رَسُولٌ بِما لا تَهْوى أَنْفُسُكُمُ اسْتَكْبَرْتُمْ، فَفَرِيقاً كَذَّبْتُمْ وَفَرِيقاً تَقْتُلُونَ » (٨٧ : البقرة).
واللّه سبحانه وتعالى يقول :« وَلا تَقْتُلُوا النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ » أي إلا بما يوجب قتلها، كأن تقتل نفسا عمدا، أو تحادّ اللّه ورسوله والمؤمنين.. ورسل اللّه لا يكون ذلك منهم أبدا،


الصفحة التالية
Icon