ج ١١، ص : ٨٠٢
واستعلاء، وكانوا أشبه بفرعون حين قال :« يا هامانُ ابْنِ لِي صَرْحاً لَعَلِّي أَبْلُغُ الْأَسْبابَ أَسْبابَ السَّماواتِ فَأَطَّلِعَ إِلى إِلهِ مُوسى ».
. إنه يحارب بهذا البناء ربّ الأرباب، وهذا هو الذي جعل بناءه وبالا ونكالا عليه، ولو النمس من هذا البناء أن يرصد الكواكب والنجوم، مثلا أو أن يتخذه مسكنا له يشهد منه عظمة اللّه، ويرى منه فضل اللّه عليه ـ لكان ذلك عملا مبرورا مباركا..
وهؤلاء القوم، لو كان مقصدهم من الضرب فى وجه الأرض، السعى فى طلب الرزق، وإقامة حياة قائمة على العدل والإحسان، لبارك اللّه عليهم سعيهم، ولحمد مسيرتهم.. ولكنهم كانوا يركبون شيطانا مريدا، يدفع بهم دفعا إلى الكفر باللّه، وإلى السعى فى الأرض فسادا.
وليس بالذي يشفع لهم، هذا القول الذي استفتحوا به ما طلبوا، حين قالوا « ربنا » فهذا قولهم بألسنتهم، ولو كان لهذا القول مكان فى قلوبهم لكانوا مؤمنين باللّه حقا، ولما كان منهم هذا الفساد، وهذا الضلال الذي هم فيه.
ولقد قالها إبليس من قبلهم، وهو فى موقف التحدّى للّه، والإصرار على الإثم العظيم، فقال :« رَبِّ بِما أَغْوَيْتَنِي لَأُزَيِّنَنَّ لَهُمْ فِي الْأَرْضِ وَلَأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ » وهذا ما يشير إليه قوله تعالى فيهم :« وَلَقَدْ صَدَّقَ عَلَيْهِمْ إِبْلِيسُ ظَنَّهُ فَاتَّبَعُوهُ إِلَّا فَرِيقاً مِنَ الْمُؤْمِنِينَ ».
فلقد انقادوا لإبليس، وأسلموا زمامهم له، وصدّق عليهم ظنه الذي ظنه فى أبناء آدم، حين قال :« رَبِّ بِما أَغْوَيْتَنِي لَأُزَيِّنَنَّ لَهُمْ فِي الْأَرْضِ وَلَأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ إِلَّا عِبادَكَ مِنْهُمُ الْمُخْلَصِينَ » (٣٩ ـ ٤٠ : الحجر).. فلقد استجاب هؤلاء المغوون لإبليس، وصدّفوا ظنه فيهم.. إلا فريقا قليلا من المؤمنين منهم، الذين ثبتوا على إيمانهم، ولم يجد إبليس سبيلا يدخل على إيمانهم منه، بالغواية والإضلال..