ج ١١، ص : ٨٦١
ـ وفى قوله تعالى :« وَما تَحْمِلُ مِنْ أُنْثى وَلا تَضَعُ إِلَّا بِعِلْمِهِ وَما يُعَمَّرُ مِنْ مُعَمَّرٍ وَلا يُنْقَصُ مِنْ عُمُرِهِ إِلَّا فِي كِتابٍ.. إِنَّ ذلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ » ـ إشارة إلى أن قدرة اللّه سبحانه وتعالى، ليست واقفة عند هذا الحد من خلق هذا الإنسان من تراب، بل إن تلك القدرة قائمة على كل مخلوق، قبل خلقه، وبعد خلقه، وفى كل لحظة من لحظات وجوده وقبل وجوده.. فما تحمل من أنثى من حمل، ولا تضع من مولود، إلا وعلم اللّه قائم عليه، محيط به، ومقدر له العمر الذي يلبسه فى هذه الحياة، من طول أو قصر.. فهذا كله فى كتاب مبين، كتبه اللّه بعلمه، وأودعه فى كتاب مبين، هو اللوح المحفوظ..
والنقص من العمر، ليس نقصا فى العمر المقدّر فى كتاب اللّه للكائن الحي، وإنما هو نقص بالإضافة إلى من طال عمره.. فالذى قدر له أن يعيش أياما، أو شهورا، أو بضع سنين، إنما يعيش هذا العمر المقدر له فى علم اللّه، والمسطور فى كتابه، وهذا العمر، هو عمر يبدو ناقصا بالنسبة لمن يعيش عشرات السنين.. أما عمره فلم ينقص منه شىء.. وذلك كله يسير على اللّه، الذي لا يئوده حفظ هذا الوجود!
قوله تعالى :« وَما يَسْتَوِي الْبَحْرانِ هذا عَذْبٌ فُراتٌ سائِغٌ شَرابُهُ وَهذا مِلْحٌ أُجاجٌ وَمِنْ كُلٍّ تَأْكُلُونَ لَحْماً طَرِيًّا وَتَسْتَخْرِجُونَ حِلْيَةً تَلْبَسُونَها وَتَرَى الْفُلْكَ فِيهِ مَواخِرَ لِتَبْتَغُوا مِنْ فَضْلِهِ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ » ومن دلائل قدرة اللّه، وكمال عزته، أنه جمع بين البحرين، وفرق بينهما فى آن.. فهما فى واقع الحياة كائن واحد، يتشكل من مادة واحدة هى الماء.
ومع هذا فهما طبيعتان متغايرتان.. « هذا عَذْبٌ فُراتٌ » أي ماء حلو :
« سائع شرابه » أي تستبغ النفس شرابه، ويلذ لها طعمه.. « وَهذا مِلْحٌ أُجاجٌ »


الصفحة التالية
Icon