ج ١١، ص : ٨٦٣
هذا الكفر، وذلك بعد صراع ومعاناة.. تماما كما يخرج الماء العذب من صدر المحيطات، بفعل الرياح التي تثير أمواجها، وتخرج بخارها، وتعلو به فى طبقات الجو، ثم تشكلّه سحابا، تدفع به إلى حيث أراد اللّه، وإلى حيث قدر لهذا السحاب أن ينزل من ماء..
وهناك صور كثيرة لا تنتهى، يمكن أن يراها الناظرون فى الآية الكريمة، وفى النظر إلى الناس على ضوئها..
قوله تعالى :« يُولِجُ اللَّيْلَ فِي النَّهارِ وَيُولِجُ النَّهارَ فِي اللَّيْلِ وَسَخَّرَ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ كُلٌّ يَجْرِي لِأَجَلٍ مُسَمًّى ذلِكُمُ اللَّهُ رَبُّكُمْ لَهُ الْمُلْكُ وَالَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ ما يَمْلِكُونَ مِنْ قِطْمِيرٍ » ومن قدرة اللّه، وبسطة سلطانه، وكمال عزته.. أنه ـ سبحانه ـ « يُولِجُ اللَّيْلَ فِي النَّهارِ » أي أنه سبحانه يدخل الليل، بظلامه الكثيف، فى أحشاء النهار، فيشتمل عليه النهار، ويستولى بسلطانه المشرق، على ظلماته المتراكمة..
فإذا الدنيا وقد خلعت هذا الرداء الأسود، ولبست ذلك الثوب النورانى، كما تلبس العروس ثوب زفافها.. وأنه سبحانه ـ بقدرته ـ « يُولِجُ النَّهارَ فِي اللَّيْلِ » فيدخل هذا النور الساطع فى أحشاء الظلام، فيستولى الظلام بسلطانه على هذا النور.. وهكذا الحياة.. نور وظلام، وخير وشر، وعذب فرات وملح أجاج، ومؤمن وكافر..
ـ وقوله تعالى :« وَسَخَّرَ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ.. كُلٌّ يَجْرِي لِأَجَلٍ مُسَمًّى » أي ومن قدرته سبحانه، أنه سخر الشمس والقمر لسلطانه، وأجراهما بقدرته، كيف شاء، وأقامهما على هذا النظام المحكم الذي لا يدخل عليه أي اضطراب أو خلل :