ج ١١، ص : ٨٧٥
أولهما : أن المشركين قد انعكست فى أنفسهم حقائق الأشياء، وأنهم إنما ينظرون إلى الأمور، وهم فى وضع منكوس، وأنهم لو اعتدلوا فى وضعهم لرأوا هذا المقطع من الصورة على حقيقته.. إنهم يعيشون فى الحرور ويحسبونه الظلّ، وهم أموات، ويحسبون أنهم أحياء.. هذا هو وضعهم، فإذا شكّووا فى هذا فلينظروا فى هذا المقطع من الصورة التي بين أيديهم، وسيرون أن الحرور أفضل من الظل، وأن الميت أكثر حياة من الحىّ.. وبهذا ينكشف لهم الوضع المقلوب، الذي ينظرون فيه إلى الأشياء..
وثانيهما : أنهم لو أرادوا أن يقيموا الصورة كلها على وضع سليم، لكان عليهم أن يغيّروا بأيديهم هذا الوضع الذي أخذه المقطع الثاني من الصورة، وأن يجعلوه موافقا للوضع الأول، فيقدموا الحرور على الظل، والأموات على الأحياء، وبهذا يكون الحكم على المطلوب صادرا منهم، فتجىء الصورة العامة هكذا :
« وما يستوى الأعمى والبصير، ولا الظلمات ولا النور، ولا الحرور ولا الظل ولا الأموات ولا الأحياء ».
. إنها عملية تدعو إلى تحريك العقل، وإلى أن يعمل عملا جادّا على تسوية هذه المتناقضات.. فإذا اتجهت عقولهم إلى هذا الاتجاه، كان من طبيعة الأمور ألّا ترصى عقولهم بهذه المتناقضات، التي تقوم فى كيانهم، حيث يؤثرون الضلال على الهدى، والكفر على الإيمان.. وهكذا تجىء آيات اللّه، بهذه الإيحاءات النفسية، التي تدخل العقل فى رفق ولطف، إلى مواطن الهدى، ومواقع الخير..
ـ وفى قوله تعالى :« إِنَّ اللَّهَ يُسْمِعُ مَنْ يَشاءُ ».
. إشارة إلى أن الناس فريقان :
فريق يسمع آيات اللّه ويستجيب لها، وفريق لا يسمع ولا يستجيب..


الصفحة التالية
Icon