ج ١٢، ص : ١٠٦٣
إلفات للنبى الكريم، ألا يكون على حال من الصبر كحال هذا النبي الكريم، « يونس » عليه السلام ؟ أليس هذا صريح منطوق الآية الكريمة ؟ وهل هذا مما يضير يونس عليه السلام ؟ وهل ينقص ذلك من قدره فى موازين الناس ؟
وكلا، فإنه وهو على تلك الحال كان بمنزلته العالية، وبمقامه الكريم عند ربه، الذي يقول سبحانه عنه :« فَاجْتَباهُ رَبُّهُ فَجَعَلَهُ مِنَ الصَّالِحِينَ ».
وثالثا : لم يكن من محامل الآية الكريمة، وهى تحمل إلى النبي ـ صلوات اللّه وسلامه عليه ـ هذا التحذير الخفي من أن يكون على مستوى النبي الكريم « داود » فى مقام الصبر ـ لم يكن من محاملها شىء يمس مقام هذا النبي الكريم، بل لقد حملت الآية الكريمة مع هذا ألطافا كثيرة من عند اللّه إلى عبده « داود ».
. كلها تنويه به، ورفع لقدره، وإحسان بعد إحسان إليه، وكفى داود شرفا وفضلا أن يكون عبدا للّه، مضافا إلى ذاته جل وعلا.. ثم إن فى قوله تعالى :« وَاذْكُرْ عَبْدَنا أَيُّوبَ » عدولا عن اللفظ الذي يدل على الاحتراس والحذر والتجنب، إلى اللفظ « اذكر » الذي لا يكون إلا فى مقام الإحسان وتذكر النعم.. ثم جاء بعد هذا إضافة داود إلى اللّه سبحانه وتعالى، إضافة عبودية، الأمر الذي لا يناله إلا المخلصون الأصفياء من عباد اللّه..
ثم جاء بعد هذا وصفه بأنه « ذو الأيد » أي القوة والصبر على ما يبتلى به من ربه من منح أو منع.. ثم أنبع هذا الوصف بوصف آخر، وهو أنه « أواب » أي كثير الأوب والرجوع إلى اللّه، إذا هو شعر بأنه لم يؤد للّه ما يجب فى مواقع الابتلاء، من شكر، أو صبر..
ثم يذكر بعد هذا ما ساق اللّه إليه من سوابغ رحمته المادية ولروحية معا، فيقول سبحانه :« إِنَّا سَخَّرْنَا الْجِبالَ مَعَهُ يُسَبِّحْنَ بِالْعَشِيِّ وَالْإِشْراقِ وَالطَّيْرَ مَحْشُورَةً كُلٌّ لَهُ أَوَّابٌ ».
. فهذه وهى الجبال أبرز وجوه ما على الأرض من عوالم، تستجيب له، وتأنم به، وتسبّح للّه معه.. وهذه الطيور التي تبسط سلطانها فى