ج ١٢، ص : ١١٣١
إلى المدينة، وفى هذا المكان الطيب من الأرض سطح نور الإسلام، ودخل الناس فى دين اللّه أفواجا..
وقوله تعالى :« إِنَّما يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُمْ بِغَيْرِ حِسابٍ » ـ دعوة للمؤمنين إلى الصبر، الذي هو ملاك كل أمر يراد منه الخير الكثير الدائم الذي لا ينقطع..
إن كل ثمرة إنما تكون قيمتها بقدر ما يبذل فيها من جهد، وما يحتمل فى سبيلها من عناء ومعاناة.. ومن طلب ثمرة بلا عمل، فقد طلب ريّا من سراب! وفى قوله تعالى :« بِغَيْرِ حِسابٍ » ـ إشارة إلى أن جزاء الصبر جزاء عظيم، وأن ميزان العمل الذي يجىء فى أعقاب الصبر يرجح جميع الأعمال كلها، حيث ينال الصابر جزاء صبره، ما يشاء من فضل وإحسان، بلا حساب! قوله تعالى :«قُلْ إِنِّي أُمِرْتُ أَنْ أَعْبُدَ اللَّهَ مُخْلِصاً لَهُ الدِّينَ.. وَأُمِرْتُ لِأَنْ أَكُونَ أَوَّلَ الْمُسْلِمِينَ » هو بيان لحال النبي فى هذه الدعوة التي حملها إلى الناس من ربه، وأنه مأمور من اللّه، بما يأمر اللّه به عباده جميعا.. فهو والناس فى هذا الأمر السماوي على سواء، فلا استثناء لأحد فى هذا القانون، كما يقع ذلك فى القوانين الوضعية، التي ترفع السلطان عن الخضوع للقانون العام الذي تخضع له الرعية.. بل وأكثر من هذا، فإن صاحب الدعوة ـ صلوات اللّه وسلامه عليه ـ يتلقى هذه الدعوة من ربه فى صورة أمر وإلزام، على حين يتلقاها الناس مجرد دعوة لا إلزام فيها، ولا إكراه معها.. « إِنِّي أُمِرْتُ أَنْ أَعْبُدَ اللَّهَ مُخْلِصاً لَهُ الدِّينَ وَأُمِرْتُ لِأَنْ أَكُونَ أَوَّلَ الْمُسْلِمِينَ ».
وفى قوله تعالى :« وَأُمِرْتُ لِأَنْ أَكُونَ أَوَّلَ الْمُسْلِمِينَ » ـ إشارة إلى أن رسول اللّه ـ صلوات اللّه وسلامه عليه ـ هو أول المسلمين : خضوعا لسلطان