ج ١٢، ص : ١١٤٤
فى كماله وجلاله، وهذا ما يشير إليه قوله تعالى :« وَلَوْ كانَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللَّهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلافاً كَثِيراً » :(٨٢ : النساء).
والمثاني : جمع مثنى، وذلك بما فيه من بيان للأمور وأضداد.
كالإيمان والكفر، والحق والباطل، والهدى والضلال، والخير والشر، والحسنات والسيئات، والجنة والنار.. والقرآن الكريم فى الحالين، هو على مستواه العالي من الكمال والجلال.. فالحديث عن الكفر مثلا، معجز إعجاز الحديث عن الإيمان، لأن هذا وذك من كلام اللّه..
وقوله تعالى :« تَقْشَعِرُّ مِنْهُ جُلُودُ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ ».
الاقشعرار، والقشعريرة، حال تعترى الجسد من أثر رهبة أو خوف، فيموج الجلد بموجات أشبه بمسّة الكهرباء.
واقشعرار جلود الذين يخشون ربّهم من هذا الحديث المنزل من عند اللّه، هو لما يقع فى قلوبهم من رهبة وجلال لما يسمعون من كلام اللّه، الذي يقول اللّه سبحانه وتعالى فيه :« لَوْ أَنْزَلْنا هذَا الْقُرْآنَ عَلى جَبَلٍ لَرَأَيْتَهُ خاشِعاً مُتَصَدِّعاً مِنْ خَشْيَةِ اللَّهِ » (٢١ : الحشر). فإذا نزل هذا القرآن على القلوب المؤمنة اهتزت لجلاله، وزلزلت أقطارها لرهبته.. أما غير المؤمنين، الذين لا يعرفون اللّه ولا يقدرونه قدره، فلا تلمس قلوبهم نفحة من آيات اللّه، ولا تصوبها قطرة من سماء كلماته..
وقوله تعالى :« ثُمَّ تَلِينُ جُلُودُهُمْ وَقُلُوبُهُمْ إِلى ذِكْرِ اللَّهِ » إشارة إلى حال أخرى من أحوال المؤمنين الذين يخشون ربّهم فى لقائهم مع آيات اللّه..
إنهم فى أول لقائهم مع آيات اللّه، وفى مفتتح كلّ اسّماع إليها، تغشاهم حال من الخوف والرهبة، فتقشعرّ لذلك جلودهم.. ثم إذا هم أطالوا النظر فى آيات