ج ١٣، ص : ١١٩
صورة من صور مشيئتهم، إلى ما لا يحصى من السور التي تتحرك فيها تلك المشيئة، فى أقوالهم وأفعالهم.. فكيف يجعلون أفعالهم الضالة وأقوالهم المنكرة من مشيئة للّه، ولا يجعلون لمشيئتهم وجودا هنا، مع أنها موجودة فى كل حال معهم ؟ إن ذلك ـ كما قلنا ـ مكر باللّه، وتبرير لكل جناية يجنونها على الناس أو على أنفسهم..
ومن جهة أخرى، فإن هؤلاء الغواة الضالين لو جروا على منطقهم الذي يجعلون به للّه سبحانه وتعالى مشيئة عامة شاملة، لكان مؤدّى هذا أن بعبدوا اللّه وحده، وأن يتبرءوا من كل شريك له، إذ كان سبحانه، صاحب السلطان المطلق، والمشيئة النافذة.. وإنه لضلال سفيه أن يعبد المرء من لا سلطان له ولا مشيئة، ويدع صاحب السلطان، ورب المشيئة! ولكن هكذا يزيّن الضلال لأهله سوء أعمالهم، فيرونها حسنة.. وفى هذا يقول اللّه سبحانه على لسان أهل الضلال :« سَيَقُولُ الَّذِينَ أَشْرَكُوا لَوْ شاءَ اللَّهُ ما أَشْرَكْنا وَلا آباؤُنا وَلا حَرَّمْنا مِنْ شَيْءٍ » (١٤٨ : الأنعام) ويقول سبحانه على لسانهم كذلك :
« أَنُطْعِمُ مَنْ لَوْ يَشاءُ اللَّهُ أَطْعَمَهُ ؟ » (٤٧ : يس).
وقوله تعالى :« ما لَهُمْ بِذلِكَ مِنْ عِلْمٍ ».
. الإشارة بذلك إلى هذا القول الذي يقولونه باطلا وزورا، ويضيفون فيه عبادتهم الملائكة إلى مشيئة اللّه..
فهذا الذي يقولونه لا علم لهم به.. لأنهم لا يعلمون ما هى مشيئة اللّه، ولا يقدرونها قدرها، فهم إذا أساءوا، ووضعوا موضع المساءلة والحساب قالوا هذا من مشيئة اللّه فينا، وإذا كانوا فى عافية من أمرهم، لم يلتفتوا إلى هذه المشيئة، ولم يضيفوا إليها شيئا مما هم فيه، بل جعلوه من كسب أيديهم، كما قال قارون :« إِنَّما أُوتِيتُهُ عَلى عِلْمٍ عِنْدِي » (٧٨ : القصص).. وكما يقول