ج ١٣، ص : ١٣٨
قوله تعالى :« وَسْئَلْ مَنْ أَرْسَلْنا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رُسُلِنا أَجَعَلْنا مِنْ دُونِ الرَّحْمنِ آلِهَةً يُعْبَدُونَ »..
مناسبة هذه الآية لما قبلها، هى أن الآية السابقة أشارت إلى هذه النعمة العظيمة التي أنعم اللّه بها على الأمة العربية، بأن جعل خاتم الرسل منها، وجعل خاتم الرسالات دينها وشريعتها، وجعل لها القوامة على هذا الدين، وتلك الشريعة.. وهذا من شأنه أن يثير فى نفوس العرب حمية وغيرة على هذا الدين واجتماعا على نصرته والدعوة له، لا أن يكون منهم العدوّ الراصد له، المتربص به، الخارج على طريقه..!!
فقوله تعالى :« وَسْئَلْ مَنْ أَرْسَلْنا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رُسُلِنا أَجَعَلْنا مِنْ دُونِ الرَّحْمنِ آلِهَةً يُعْبَدُونَ » ـ إلفات إلى هؤلاء المشركين الذين يعبدون ما يعبدون من دون اللّه، من أوثان، وكواكب، وملائكة، وإلى أن ما هم عليه من هذا المعتقدات ليس من دين اللّه فى شىء.. وأن دين اللّه هو إفراده سبحانه وتعالى بالعبودية المبرأة عن الشريك، والصاحبة والولد.. فمن أىّ رسول من رسل اللّه تلقى المشركون هذا الدين الذي يدينون به ؟ أكان من رسل اللّه من دعا إلى عبادة غير اللّه ؟ وحاش للّه أن يحمل رسول من رسل اللّه دعوة إلى عبادة غير اللّه!! إذ كيف يكون رسولا للّه من يدعو لغير اللّه ؟
والسؤال من النبىّ لرسل اللّه هنا، ليس سؤالا مباشرا، بحيث يسأل الرسل ويتلقى الجواب منهم.. وإنما هو سؤال بالنظر فيما قصّ اللّه سبحانه وتعالى على الرسول من قصص الرسل، ومحامل رسالاتهم إلى أقوامهم.. فقد كانت دعوة كل رسول إلى قومه :« أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ ما لَكُمْ مِنْ إِلهٍ غَيْرُهُ ».
فهذا نوح ـ عليه السلام ـ يقول لقومه :« أَنْ لا تَعْبُدُوا إِلَّا اللَّهَ إِنِّي أَخافُ عَلَيْكُمْ عَذابَ يَوْمٍ أَلِيمٍ » (٢٦ : هود).