ج ١٣، ص : ٣٠٥
بهذا الخبر المشئوم، الذي يسدّ عليهم منافذ النجاة، ويدعهم فى متاهات الضلال يتخبطون، وقد تقطعت بهم الأسباب، وأفلت من أيديهم كلّ متعلق كانوا يتعلقون به، من أوهام وظنون..
ويبدو هذا اللقاء بالكافرين وكأنه أول وجه يلقاهم على طريق ضلالهم، ثم لا يكون منه إليهم إلا أن يلقى إليهم بهذا الخبر المزعج، وأنهم فى وجه عاصفة وشيك التقاؤهم بها، وهلاكهم بين يديها.. ذلك على حين أن هؤلاء الكافرين، قد كان لهم قبل هذا أكثر من لقاء مع آيات اللّه، ومع رسول اللّه، يدعوهم إلى اللّه، ويكشف لهم طريق الهدى، ويحذرهم عاقبة ما هم فيه من ضلال.. ولكن هكذا يجىء اللقاء بهم هنا، وكأنه يضرب صفحا عن كل هذه المواقف التي كانت لآيات اللّه ولرسول اللّه معهم إذ لم يكن لهذا كله، أثر فيهم، ولا نفع لهم.. وإذن فليستقبلوا ما كانوا.. يستحقون أن يستقبلوا به من أول الأمر.. فهذا هو حسابهم وجزاؤهم.. أما ما قدّم إليهم من قبل من وسائل الهداية، وسبل النجاة، فهو مما يقيم الحجة عليهم، ويقطع كل عذر لهم عند أنفسهم، كما أنه مما يملأ قلوبهم حسرة وكمدا، حين ينكشف لهم الأمر، ويحلّ بهم البلاء، ويرون أن وسائل النجاة من هذا البلاء، قد كانت بين أيديهم، وتحت سمعهم وأبصارهم، فلم يلتفتوا إليها، ولم يمدّوا أيديهم لها..
وإنه ليس أشدّ إبلاما للإنسان من أن تكون السلامة فى يده، ثم يلقى بنفسه إلى التهلكة!!.
ثم إنه مما يزيد فى حسرة هؤلاء الذين كفروا، أنهم لم يهلكوا أنفسهم وحسب، بل إنهم أهلكوا أهليهم وإخوانهم، إذ كانوا دعوة من دعوات الضلال لهم، وبمحادتهم للّه ورسوله. وهذا ما يشير إليه قوله تعالى :« قُلْ إِنَّ الْخاسِرِينَ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ وَأَهْلِيهِمْ يَوْمَ الْقِيامَةِ » (١٥ : الزمر).