ج ١٣، ص : ٤٦٣
من دين اللّه، وأنهم كانوا من الإسلام فى موقف أشد ضلالا، وأكثر بعدا من موقف إخوانهم المشركين أهل مكة.. إذ أن المشركين كانوا يعلمون صدق النبي، ويدركون حقيقة ما يدعو إليه من إيمان باللّه. أما هؤلاء الأعراب، فإن جفاء طباعهم، وغلظة أكبادهم، حالت بينهم وبين أن يدركوا حقيقة هذا الدين، ولم تتسع عقولهم لاستيعاب مراميه، كما يقول سبحانه وتعالى فيهم :« الْأَعْرابُ أَشَدُّ كُفْراً وَنِفاقاً وَأَجْدَرُ أَلَّا يَعْلَمُوا حُدُودَ ما أَنْزَلَ اللَّهُ عَلى رَسُولِهِ » (٩٧ : التوبة) ـ فجاءت سورة « ق » تحدثهم عن إخوانهم المشركين، وما كان لهم من تعلّات على دين اللّه.. ثم ها هم أولاء، وقد دخل كثير منهم فى الإسلام، ثم الإيمان، هاهم أولاء قد أصبحوا فى جند اللّه المجاهدين فى سبيل اللّه.. وإذن فليكن لهؤلاء الأعراب أسوة فى إخوانهم هؤلاء، الذين كانوا على الشرك والضلال، ثم أصبحوا وقد لبسوا الإسلام دثارا، والإيمان شعارا..
وهكذا تبدو سورة « ق » وكأنها تعقيب على سورة « الفتح » واستعادة للماضى وأحداثه، بين يدى هذا الحاضر المسعد، والمستقبل المشرق، فتعظم تلك النعمة التي يعيش المسلمون فيها مع هذا الفتح العظيم، الذي لم يكن يراود أحلامهم، فى يوم من الأيام..
بسم اللّه الرحمن الرّحيم
الآيات (١١ ـ ١) [سورة ق (٥٠) : الآيات ١ إلى ١١]بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ
ق وَالْقُرْآنِ الْمَجِيدِ (١) بَلْ عَجِبُوا أَنْ جاءَهُمْ مُنْذِرٌ مِنْهُمْ فَقالَ الْكافِرُونَ هذا شَيْءٌ عَجِيبٌ (٢) أَإِذا مِتْنا وَكُنَّا تُراباً ذلِكَ رَجْعٌ بَعِيدٌ (٣) قَدْ عَلِمْنا ما تَنْقُصُ الْأَرْضُ مِنْهُمْ وَعِنْدَنا كِتابٌ حَفِيظٌ (٤)بَلْ كَذَّبُوا بِالْحَقِّ لَمَّا جاءَهُمْ فَهُمْ فِي أَمْرٍ مَرِيجٍ (٥) أَفَلَمْ يَنْظُرُوا إِلَى السَّماءِ فَوْقَهُمْ كَيْفَ بَنَيْناها وَزَيَّنَّاها وَما لَها مِنْ فُرُوجٍ (٦) وَالْأَرْضَ مَدَدْناها وَأَلْقَيْنا فِيها رَواسِيَ وَأَنْبَتْنا فِيها مِنْ كُلِّ زَوْجٍ بَهِيجٍ (٧) تَبْصِرَةً وَذِكْرى لِكُلِّ عَبْدٍ مُنِيبٍ (٨) وَنَزَّلْنا مِنَ السَّماءِ ماءً مُبارَكاً فَأَنْبَتْنا بِهِ جَنَّاتٍ وَحَبَّ الْحَصِيدِ (٩)
وَالنَّخْلَ باسِقاتٍ لَها طَلْعٌ نَضِيدٌ (١٠) رِزْقاً لِلْعِبادِ وَأَحْيَيْنا بِهِ بَلْدَةً مَيْتاً كَذلِكَ الْخُرُوجُ (١١)